حذّر الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، مما تعج به شبكات ووسائل التواصل الاجتماعي من بث للفرقة والخلافات والفتن في أبناء هذه الأمة، مبيّناً أنها "وسيلة لدعاة الفتنة الذين لا يروق لهم أن تستمر هذه النعم على هذه البلاد بالخير والأمن والرخاء"، مشيراً إلى أن "الاجتماع أصل عظيم من أصول هذه الشريعة، والخلاف من أشد ما يعكر صفوة المجتمعات ويمزق تجسيمها ومنظومتها المتميزة". جاء ذلك في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بجامع الملك فيصل بأبها، بحضور الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز، أمير منطقة عسير، ودعا فيها إلى التكاتف والتآلف حول القيادة الرشيدة والعلماء، داعياً للحرص على الالتزام بتقوى الله -عز وجل-، واجتناب نواهيه، وامتثال أوامره، والتعاون على البر والتقوى، والاجتماع صفاً واحداً للم الشمل، كما هو شريعة ومنهج أهل هذه البلاد.
وقال الشيخ السديس في الخطبة: "إن المتأمل في تاريخ الأمم والحضارات والأمجاد والمجتمعات يجد أنها تبني حضاراتها وأمجادها على مبادئ وقيم وثوابت الإسلام، ونحن أمة الإسلام قد أنعم الله علينا بهذا الدين العظيم، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله".
وأضاف فضيلته: "اشتمل هذا الدين على العقيدة الصحيحة والسنة القويمة والعبادات الزكية والأخلاق السامية وعلى حسن التعاون، بل على الشمول والكمال في كل أمر من الأمور"، مبيّناً أن البشرية اليوم تتطلع إلى حياة السعادة، ولن تجدها إلا في ظل الإسلام ذي المحاسن والمكارم والفوائد، فلا خير إلا في هذا الدين، ولا شر إلا وقد حذّر منه.
ودعا الشيخ السديس المسلمين قائلاً: "وتمر الأعوام والسنون ويتساءل الكثير من الناس في أمر دينهم، وتصاب الأمة بالأزمات والفتن، ويتطلع الغيورون إلى سبل ناجحة للخروج من هذه الأزمات التي تحيط بالأمة في ظل تداعيات الأحداث في المنطقة والعالم، ولن يجدوا ذلك إلا بالعودة الجادة إلى دين الله القويم، فهو سبيل النصر والعز والتمكين يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".
كما دعا فضيلته إلى العودة الجادة إلى الإيمان بالله -عز وجل- في قوله تعالى :"أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ".
مضيفاً: "فيجب على المسلمين أن يجددوا إسلامهم، ويقووا صلتهم بربهم، ليتحقق لهم ما تحقق لأسلافهم، ومما ينبغي العناية به في الخروج من الفتن والأزمات والمحن هو الحرص على جمع كلمة المسلمين والتآخي فيما بينهم؛ فإن الخلاف شر، وإن الفرقة شقاء، يقول تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا"، وكذلك العناية بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- مخرجاً من الفتن والأزمات والمحن والابتلاءات، ولاسيما في هذه الأيام التي تحتاج السنة إلى العناية والاهتمام، وإلى أن تجتمع الكلمة عليها، بعد أن حاول كثيرٌ من أعداء السنة استهداف أبناء المسلمين وديارهم، والوقيعة بهم فيما بينهم، فهم دعاة فتنة وشر لا مفر منهم إلا بالاعتصام بالكتاب والسنة، يقول تعالى: "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون".
وحذّر فضيلته من الطائفية والدعوة إليها، وقال: "الدعوة إلى الطائفية والدعوة إلى الخلافات في الأمة، دعوات مخالفة لما جاء به الدين الإسلامي الحنيف الذي يجمع المسلمين مهما اختلفت أقطابهم وأمصارهم على كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم".
كما دعا أهل الوسط والاعتدال بقوله: "أيها المسلمون يا أهل الوسط والاعتدال، ومما يخلص من الفتن بعد حول الله وتوفيقه لزوم منهجهم الوسط والاعتدال، قال تعالى: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً". فلا غلو ولا تنطع ولا تكفير ولا تفجير ولا تدمير للمجتمعات، وإنما إعمار وبناء وإنماء، ولا تفريط في ثوابت هذه الأمة، ولا تساهل في الدين والقيم، بل لابد من العناية بمقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والمال والعقل والعرض"، مؤكداً بقوله "هكذا تحلو الحياة وتسير بكل خير وأمان".
وقال: "إنه إذا يمم أبناء الأمة ثقافاتهم ووجههم تجاه أعداء هذه الأمة، وتخلوا عن ثوابتهم وقيمهم، وأصبحوا مسوحاً يقتاتون على ثقافات وقيم مخالفة؛ فقل على الأمة الفناء".
وأضاف: "إن الالتزام بمنهج الوسطية والاعتدال صمام أمن وطوق نجاة للكثير من مخالفات الأمة ومن أسباب الخروج من الفتن والأزمات، تحلي أبناء هذه الأمة بالعلم النافع والعمل الصالح "من عمل صالحاً.."، والقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالبصيرة والعلم والحكمة والرجوع إلى أهل العلم الربانيين الذي يوضحون ما خفي ويفسرون ما أشكل".
ودعا فضيلته إلى "التكاتف والتآلف مع القيادة والعلماء وأبناء هذه الأمة كل في مجاله، وينبغي علينا أن نتعاون على البر والتقوى، وأن نكون صفاً واحداً نجمع الشمل على الولاية المسلمة والعلماء الربانيين، كما هو منهج أهل هذه البلاد". وعدد الشيخ النعم التي تنعم به هذه البلاد بأنها "أمة واحدة، وصف واحد وجماعة واحدة تستنير بهذا الدين الإسلامي العظيم، وترعى أمن الأمة واستقرارها ورخاءها، فهي نعمٌ ينبغي علينا أن نشكرها"، مطالباً المجتمع بالسمع والطاعة واتباع أوامر ولاة الأمر، مستندا بقوله تعالى: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً".
كما أشار إلى وسائل النصح والاحتساب وفق الضوابط الشرعية المفروضة، التي حددها وبينها مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز -رحمه الله- بأن يكون هذا الدين الإسلامي دين هذه الأمة ونهجها.
وأشاد فضيلته بما تنعم به هذه البلاد من الخير والنماء والعطاء وقال: "إن هذه النعمة مستهدفة من قِبل الحاسدين والحاقدين الذين لا يروقهم أن يجتمع الراعي والرعية، ولا يروقهم أن يجتمع المسلمون في أمن وأمان وتقام شعائرهم، والدعوة إلى دين ربهم، فعملوا بالفتن والتشويش والإثارة والقلاقل من الإشاعات المغرضة ضد ولاة أمر هذه البلاد وعلمائها وشعبها وأبنائها وفتياتها".
وقال: "إن فضل الله علينا في هذه البلاد أن منّ الله علينا بالاعتقاد الصحيح والمنّة القوية والجماعة الواحدة والأمن الوارف الظلال، فيجب على كل واحد منا أن يكون عيناً ساهرة على أمن هذه البلاد من كل من أراد بها شراً، أو أراد بها سوءاً، ومما استهدفت به هذه البلاد شبابها وأجيالها والوقوع في حرب المخدرات والمسكرات التي تجر على المجتمعات الأوبئة".
وأشار إلى أنها "حرب ضروس ينبغي أن يعيها أبناء المسلمين وشبابهم، وأن شبابنا محل اهتمام هذه الأمة، ومحل فخرها واعتزازها وسبيل نصرها وقوتها، فينبغي على شباب الأمة أن يتحلى بالصبر والعمل والإنصاف، وأن يحمد الله، وأن يلتف مع قيادة هذه البلاد وعلمائها، وأن يعود إليهم فيما كل ما يشكل عليهم".
كما دعا وسائل الإعلام إلى نشر الفضيلة والبعد عن الرذيلة، مشيداً بما تنعم به منطقة عسير من مقومات السياحة والجمال، "ولاسيما في هذه المنطقة العزيزية على قلوبنا، والتي حباها الله -عز وجل- بأمير موفق وعلماء صادقين وشباب موفقين وغيرهم على قلب رجل واحد في استقبال المصطافين والقادمين إلى هذه المنطقة العزيزة، ولا أعز منها إلا المحافظة على عقيدتنا وديننا وثوابتنا".
وأضاف "إن علينا أيها الأمة أن نشكر الله على هذه النعمة، وأن نهتم بقضايا المسلمين، وأن ندعو لهم، وأن نسعى في حل قضيتهم بكل بصيرة وحكمة".
من جهة أخرى استقبل أمير منطقة عسير في قصره بالخالدية ظهر اليوم، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، الذي يزور المنطقة حالياً.
وأعرب الشيخ السديس عن سعادته بلقائه أمير وأهالي عسير، وبالأجواء الساحرة التي تتميز بها المنطقة، مشيراً إلى أنه شاهد جملة من المشاريع في المنطقة، والتي ستعود بالنفع والفائدة على أبناء وزوار المنطقة، كما أشاد بما احتضنته المنطقة لهذا العام من الملتقيات الدينية والمحاضرات العلمية الهادفة، داعياً الله أن يحفظ هذه البلاد من حقد الحاقدين وكيد المتربصين الساعين خلف الإشاعات المغرضة.
عقب ذلك تناول الشيخ السديس والحضور وجبة الغداء المقامة على مائدة أمير المنطقة.