سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المفتي: مَن يتكلم في الحديث تصحيحاً وتضعيفاً بغير تمكُّن مخذولٌ في دينه وعقله اعتبر مَن يفعل ذلك سفيهاً ومجرماً وحثَّ الجميع على تعظيم سنة "الرسول الكريم"
وجّه مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كِبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ، كلمةً حثَّ فيها عموم المسلمين على تعظيم سنة الرسول الكريم، وأكّد فيها أنه لا يسوغ أن يتكلم أحدٌ في الحديث تصحيحاً وتضعيفاً إلا مَن تمكّن مِن علم الحديث والسنة روايةً ودرايةً, وما لم يكن كذلك, فحديثه عن الحديث الشريف جرأة على الله - عزّ وجلّ - ورسوله لا يليق إلا بمخذولٍ في دينه وعقله. وقال: إن الله - سبحانه وتعالى - عظّم سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالوقوف عند أمره ونهيه عليه الصلاة والسلام طاعةً وامتثالاً .
وفيما يلي نص كلمة سماحته: من عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ إلى مَن يراه من عموم المسلمين، وفقهم الله لطاعته واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد: فلقد أنزل الله - عزّ وجلّ - الذكر الذي هو القرآن الكريم, وتكفَّل – سبحانه - بحفظه كما في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر: 9 ومن حفظ القرآن الكريم, حفظ سنة نبيه الأمين - صلى الله عليه وسلم - المبينة له, والتي هي من الوحي لقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) النجم: 3 - 4.
ومن حفظ السنة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام, أنْ قيَّض لها الحفاظ المتقنين, فنقلوها طبقةً عن طبقةٍ حتى أثبتها حفاظ السنة في كتب المسانيد والجوامع والمستخرجات والأجزاء والفوائد, وميّزوا في كتبهم الصحيح من الضعيف, وما كان على الجادة مما يرويه الثقات من الشاذ والمنكر, فاستبانت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -, وكان ذلك من تتمات البلاغ المبين الذي أوتيه عليه الصلاة والسلام, ومن قيام الأمة بواجبها نحوه امتثالاً لقوله - صلى الله عليه وسلم - "نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ".
ولقد عظَّم الله – سبحانه - سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فأمر بالوقوف عند أمره ونهيه عليه الصلاة والسلام طاعةً وامتثالاً، كما في قوله - جلَّ وعلا -: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الحشر: 7
وحذَّر من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم أيما تحذير فقال سبحانه: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) النور: 63 وأمر الله سبحانه بالأدب البالغ معه عليه الصلاة والسلام حتى في رفع الصوت في خطابه فكيف برد سنته والاعتراض على حديثه, فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) الحجرات: 2 قال ابن القيم رحمه الله: فحذّر المؤمنين من حبوط أعمالهم بالجهر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما يجهر بعضهم لبعض, وليس هذا بردة, بل معصية تحبط العمل, وصاحبها لا يشعر بها, فما الظن بمن قدَّم على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهديه وطريقه قول غيره وهديه وطريقه؟ أليس هذا قد حبط عمله وهو لا يشعر.
وكما أمر الله – سبحانه - باتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمها , فلقد أمر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وحثّ عليه وأخبر أن في تعظيم السنة النجاة عند وقوع الاختلاف بين الأمة, فثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - في السنن من حديث العرباض بن سارية - رضى الله عنه -, قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب, وذرفت منها العيون, فقلنا: يا رسول الله, كأنها موعظة مودِّع فأوصنا. قال: "أوصيكم بتقوى الله - عزّ وجلّ -, والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد, فإنه مَن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً, فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي, عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة".
قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به, إلا عملت به, وإني لأخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ . قال ابن بطة في الإبانة عند ذكره هذا الأثر: هذا يا إخواني الصدِّيق الأكبر يتخوف على نفسه من الزيغ إن هو خالف شيئاً من أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم -, فماذا عسى أن يكون من زمان أضحى أهله يستهزئون بنبيهم وبأوامره ويتباهون بمخالفته ويسخرون بسنته؟ نسأل الله عصمة من الزلل, ونجاة من سوء العمل.
هذا وورد في السنن والآثار ما يدل على سوء العاقبة لمَن يعترض على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم وسنته -, ومن ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث سلمة بن الأكوع رضى الله عنه: أنَّ رجلاً أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله, فقال: "كل بيمينك" قال: لا أستطيع. قال: "لا استطعت, ما منعه إلا الكبر" قال: فما رفعها إلى فيه.
وثبت في الصحيح أيضاً عن سالم بن عبد الله: أن عبد الله بن عمر - رضى الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها" فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن. فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سباً سيئاً ما سمعته سبَّه مثله قط, وقال: أخبرك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وتقول: والله لنمنعهن!
قال النووي: فيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه. وعلى ذلك كان علماء الأمة من الأئمة والأعلام جيلاً بعد جيل وقرناً بعد قرن, يعظمون سنته ويشرفون برواية حديثه وتبليغه. ومن ذلك: أن الشافعي -رحمه الله - سُئل عن مسألة, فقال: رُوي فيها كذا وكذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, فقال السائل: يا أبا عبد الله, تقول به؟ فارتعد الشافعي وانتفض وقال: يا هذا, أي أرض تقلني, وأي سماء تظلني إذا رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, حديثاً فلم أقل به؟ وقال أحمد بن حنبل: من ردَّ حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة.
وقال البربهاري: وإذا سمعت الرجل يطعن في الآثار أو يريد الآثار, فاتهمه على الإسلام, ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع. وقال أبو القاسم الأصبهاني: قال أهل السنة من السلف: إذا طعن الرجل على الآثار, ينبغي أن يتهم على الإسلام.
هذا, والسنة كما أنها آثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم -, فعلمها من أدق العلوم وأجلها فهو جليلٌ في قدره وشرفه والمنسوب إليه - صلى الله عليه وسلم -, وهو دقيق في فنِّه وآلته وطريقة التحقيق فيه, ولا يستطيع الكلام فيه وعنه إلا مَن أمضى شطراً مديداً من دهره في تعلمه وحفظه, تحقيقاً وتمحيصاً, ودراسة في الكتب المسندة وعلى الأشياخ, فلا يسوغ أن يتكلم أحد في الحديث تصحيحاً وتضعيفاً إلا مَن تمكّن من علم الحديث والسنة روايةً ودرايةً, وما لم يكن كذلك, فحديثه عن الحديث الشريف جرأة على الله - عزَّ وجلَّ ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وسفه وإجرام, لا يليق إلا بمخذولٍ في دينه وعقله, ونعوذ بالله من الخذلان.
وبعد فجرى التنبيه بما ذكر نصحاً لله ولكتابه ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ولأئمة المسلمين وعامتهم.
ونسأل الله تعالى أن يحفظ لهذه البلاد دينها وقيادتها وأهلها, وأن يصلح حال المسلمين أجمعين كما نسأله – سبحانه - أن يرزقنا البصيرة في دينه والمحافظة على سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ومرافقته في جنات النعيم والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,,
المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كِبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء