أعلن الديوان الملكي مساء أمس السبت وفاة فضيلة الشيخ العالم الكبير الذي جمع بين العلمين القانوني والشرعي، فضيلة الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين، والذي كان بصيراً بشؤون الفكر الإسلامي عامة، وبمجال الاقتصاد والتشريع بشكل عام، وذلك بعد تدهور حالته الصحية من جراء معاناة من التهاب رئوي حاد، والذي أُدخل بسببه العناية المركزة بمستشفى الحرس الوطني. والفقيد هو الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين الناصري التميمي، الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، وعضو هيئة كبار العلماء، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقاً.
وشغل الشيخ الحصين رئاسة كل من: جمعية هدية الحاج والمعتمر الخيرية، والجمعية الخيرية الصحية لرعاية المرضى (عناية)، والهيئة الشرعية في قناة المجد، واللقاء الوطني للحوار الفكري. كما كان عضواً في المجلس الأعلى لخمس جامعات سعودية، وساهم في تأسيس صندوق التنمية العقارية، وتولى رئاسة مجلس إدارته.
نشأته وتعليمه وهو من مواليد محافظة شقراء عام 1351 ه، وحصل فيها على الابتدائية عام 1364ه، ثم درس في دار التوحيد بالطائف خمس سنوات، وانتقل إلى مكةالمكرمة حيث أكمل دراسته الجامعية بكلية الشريعة، وحصل على الماجستير في القانون من جامعة القاهرة المصرية في العام 1374ه.
عمله والمناصب التي شغلها عمل مدرساً للمرحلة الابتدائية عام 1368ه، ومدرساً بمعهد الرياض العلمي من عام 1373ه إلى عام 1375ه. وعين مستشاراً قانونياً بوزارة المالية والاقتصاد الوطني في الفترة من 1380ه إلى عام 1391ه في عهد وزيرها الأمير مساعد بن عبد الرحمن، ثم رئيساً لهيئة التأديب ووزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء من عام 1391ه إلى عام 1394ه. وتم تكليفه برئاسة شعبة الخبراء في مجلس الوزراء.
وقد أحيل الفقيد إلى التقاعد من العمل الحكومي، وظلَّ متقاعداً لعشرين سنة تقريباً، إلى أن عُيِّن رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بمرتبة "وزير" في ذي الحجة عام 1422 ه.
واختاره خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز -حين كان حفظه الله ولياً للعهد- رئيساً لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني في عام 1424ه، حيث عقد المركز برئاسته خمسة لقاءات وطنية للحوار الفكري.
وقد أعفي الشيخ من رئاسة شؤون الحرمين؛ تقديراً من القيادة لطلبه.
فوزه بجائزة الملك فيصل العالمية نال الشيخ الحصين جائزة الملك فيصل العالمية في دورتها التاسعة والعشرين؛ تقديراً لجهوده المتميزة في مجال خدمة الإسلام والمسلمين، وذلك مناصفة مع الشيخ يوسف الحجي (كويتي الجنسية)، وأعلن الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزارء (وقتها)، عن منح الشيخ صالح الحصيِن الجائزة "تقديراً لدوره البارز في الدعوة الإسلامية وأعمال البر، والحرص على الوسطية في المجتمع الإسلامي. وله بحوث رصينة في مجال الاقتصاد الإسلامي، وقدرته على استيعاب تطورات الاقتصاد العالمي الحديث".
أبحاثه وأعماله الخيرية وكان -رحمه الله- منكبّاً على كتابة بحوثه في مجال الفكر الإسلامي عامة، ومجال الاقتصاد والتشريع. ومن تواضعه أنه كان إذا كتب بحثاً يرسله إلى عدة أناس؛ لقراءته وتصويبه والإضافة إليه.
كما كان -رحمه الله- مهتماً بالعمل الخيري والإنساني على المستوى المحلي والدولي، ولديه مشاركة فاعلة فيه، خاصة من خلال عضويته في مؤسسة الوقف الإسلامي.
زهده وصفاته سكن الفقيد في المدينةالمنورة في منزل يتسم بالبساطة، واشتُهر بالزهد والتقشف على الرغم مما وصل إليه من مناصب. وكان من عادته النفور من كل مظهر فيه بروز أو تكلف، بل كان الغالب عليه إنكار الذات، واستصغار عمله.
حين ترك العمل الحكومي مبكراً، علل ذلك بقوله: "بعد أن أصبحت وزيراً انتظرت قليلاً حتى أتممت 20 سنة خدمة، وهي الحد الأدنى للسن التقاعدي، فوجدت حينها أن راتبي قد أصبح عشرة آلاف ريال، وأني إذا تقاعدت سأحصل على خمسة آلاف ريال، وهو مبلغ كافٍ لأن يوفر لي حياة في منتهى الرفاهية! ماذا سأعمل بما يزيد على هذه الخمسة آلاف ريال لو انتظرت!".
رحم الله الشيخ الفقيد؛ فقد فارقنا في زمن قلَّ فيه أمثاله، ونسأل الله أن يتغمَّده بواسع رحمته، وألا يفتننا بعده، وأن يلحقه بالصّدّيقين من الأنبياء والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.