في ظل نظامٍ صحي متخلفٍ ومتردي الخدمات، كنظامنا الصحي، فإن كل شيء أصبح متوقعاً: أخطاءٌ طبية جسيمة، نقل دم ملوّث، تشخيصٌ خاطئ، إهمالٌ واستهتارٌ بعلاج المواطنين، سوء إدارة، مواعيد طويلة، تعاملٌ لا إنساني في المستشفيات.. إلخ. وفي قضية رهام "زهرة جازان"، ومن خلال طريقة إدارة وزارة الصحة لهذه المأساة طبياً، وإعلامياً، وإنسانياً اتضح السوء الأكبر، وبان المستور، وانكشف الغطاء، ولم يعد يفيد معه "الترقيع" وإلقاء اللوم، أو "تقريع" الرؤوس الصغيرة، وترك "الهوامير" الكبيرة طليقةً رغم أنها هي صاحبة القرار وأساس البلاء، ومنبت كل شرٍ في نظامنا الصحي.. ف "مأساة" رهام أماطت اللثام عن ضعف مقومات الإدارة، وانعدام المسئولية الوطنية، وإهمال خدمة المجتمع في وزارة الصحة. ولعل ما صدر من قراراتٍ وعقوباتٍ في قضية "طفلة الإيدز"، يبيّن بوضوحٍ ضعف الشخصية الإدارية عند قيادات الوزارة، والتردّد في اتخاذ القرارات الحاسمة التي تخدم المجتمع.. فهذه القرارات – كالعادة - أخلت مسئولية كِبار "البيروقراطيين" المهملين من كل عقابٍ أو تحقيقٍ موسّعٍ أو إجراءٍ إداري صارمٍ، وضحّت بصغار "التنفيذيين" من أجلهم.. "تم إعفاء 7 من مسئولي صحة جازان، وتغريم بعضهم 10 آلاف ريال تذهب لخزينة الدولة "!!"، وتمت إحالة القضية للهيئة الصحية الشرعية بجازان". وهنا نتساءل: ماذا استفادت المتضرّرة "رهام" من هذه القرارات "المتواضعة" مقارنة بحجم مصيبتها؟ وما هذه الإجراءات الإدارية والعقوبات "الساذجة" التي لا تنطلي على أحد؟.. لقد صُدم الشعب السعودي.. نعم صُدمنا يا وزارة الصحة، فهل ثمن حياة مواطنة "صغيرة بريئة" دُمِّرت حياتها بدمٍ ملوّثٍ هو إعفاء بعض المسئولين؟ هل هذا كل ما استطعتم فعله؟ أهكذا تحاسبون كل مقصرٍ ومتهاونٍ ومتلاعبٍ بحياة المواطنين؟ أهكذا تعيدون الثقة بالنظام الصحي؟ إعفاء الصغار، وترك "رؤوس" الفساد في الوزارة تسرح، وتمرح هنا وهناك.. أين إعادة هيكلة الوزارة من جديد؟ أين الوعود بتحسين الخدمات الصحية؟ أين إعلان مراجعة النظام المالي والإداري للوزارة؟ أين الشفافية والجرأة في محاسبة "كائن من كان"؟.. إن مَن عَيَّن الإداريين المقصرين هو مَن يجب أن يُعاقب، إن مَن تلاعب بميزانيات الوزارة يجب أن يُعاقَب. إن مَن أهمل مراقبة ومحاسبة المستشفيات يجب أن يُعاقَب. إن مَن "خدع" المرضى وأهدر حياتهم بين مشارط الأطباء وطمأنهم بحُسن العلاج وهو عكس ذلك يجب أن يُعاقَب. ومَن لم يقم بمسئوليته في الإدارة والمحاسبة والمراقبة والمتابعة على أكمل وجه يجب أن يُعاقَب ويُعفى من منصبه فوراً.
تنويه: المنشور أعلاه هو باكورة مقالاتٍ ستنشرها "سبق"، صباح كل سبت، في زاويةٍ تمَّ عنونتها ب "سبق تقول للمسؤول"، سيتم من خلالها طرح عددٍ من القضايا التي تلامس تطلعات المواطن السعودي واحتياجاته من خلال منبر حر ينهي أسطورة "الخطوط الحمراء" وفق توجّهٍ مهني يجمع بساطة الطرح مع عُمق المضمون.