فاجأ أحمد زهدي الفاتح قرقناوي، جمهور جدة في أمسية شعرية استضافتها مكتبة "جسور"، بعد أن جاء متشوقاً لرؤية تجربة شعرية وفكرية "مختلفة"، كانت نضجت في لبنان، ونالت جائزة سعيد عقل، ليكون أول سعودي ينال هذه الجائزة الثقافية المرموقة، بلغته الحيّة النابضة "متقناً لعبة الرمز في مضامين إنسانيّة شاملة، لعلَّ أهمَّ ما يميِّزها تلك الحركة داخل القصيدة، التي تشدّ المتلقِّي، وتجعله جزءاً لا يتجزّأ من الشاعر، وحالاته النفسيّة، ومحاولاته المستمرَّة للعبور من القديم الجافّ إلى الجديد المتمرِّد". واستهل قرقناوي أمسيته الشعرية بقصيدة "أصلي وفصلي": "عطوري عود ونبرات صوتي أوتار عود وسيفي كلمة خطها عود إن كنت تسأل عن جواز سفري... وعلم وطني.. فأخضران خضرة مروج الشام... وأرزات لبنان... بلون مآذن الحرم النبوي... وأرض الروضة الشريفة... جبهتي سجادة صلاة... همساتي تسابيح... ونجواي دعاء... هذا أنا!" ويقول عنه أستاذه في المرحلة الجامعية الأديب والشاعر اللبناني الشهير منصور عيد: "تمكّن هذا الشاب الذي يحمل في دمه العربي مزيجاً سعودياً لبنانياً، ويحمل في فكره مزيجاً عقلانياً، متحرراً ومتطوراً، ويحمل في روحه مزيجاً شفافاً من الذوق، والمحبة، والانفتاح، تمكّن من أن يزيل الحاجز التقليدي بين أستاذ وطالب، ويجعلني أردد اسمه بين زملائي الأساتذة". ويضيف: "عندنا في الجامعة شاب موهوب حقاً وأكدت لهم رأيي، فقرأت نماذج من شعره، وقد بدأت تظهر في الصحف اللبنانية". وقضى قرقناوي نحو خمس سنوات في بيروت، إذ تلقى تعليمه الجامعي ليتخصص في مجال نادر، هو "أنثربولوجيا الموسيقى" الذي عرّفه على أنه "العلم الذي يدرس تاريخ الإنسانية من خلال موسيقاها، حيث إن الموسيقى هي التاريخ الذي لا يكذب للشعوب". وبرز قرقناوي في بيروت كباحث أكاديمي، استطاع أن يوثق جل التقاليد الموسيقية والفلكلور الخاص بالحجاز، فيما يتطلع إلى مواصلة دراسته ليشمل جميع أنحاء ومناطق الوطن العربي. كما برز كمؤلف موسيقي استطاع بمهارة عالمية تأليف موسيقى كلاسيكية تقوم في أساسها على الأنظمة الموسيقية العربية عموماً والحجازية خصوصاً، وككاتب وشاعر اتخذ لنفسه نمطاً أدبياً وفكرياً يميزه بهوية خاصة تجعله في مصاف الأدباء الواعدين. بدوره أشار عمر الشبعان، أحد أصحاب مشروع "جسور"، إلى أن المشروع يفخر بأن يكون منبراً لأصحاب الصوت الثقافي والإبداعي الذي يستحق. واعداً الجمهور بمواصلة رسالته في نشر الثقافة والإبداع في مدينة جدة. وأضاف: "قرقناوي هو من تلك الشخصيات المبدعة التي تتسم بالخجل والانطوائية، حيث يعمل في صمت ويحقق الكثير بعيداً عن الأضواء، وقد كان أحد أهدافي الأساسية أن أقدمه مبدعاً ومثقفاً يستحق أن تكون له إطلالاته، وعليه أن يطور سبل تواصله مع المجتمع. وأحسب أننا من خلال هذه الأمسية استطعنا أن نحقق جزءاً من هذه الهدف". وعبرت المهندسة سهاد رفاعي، إحدى الحاضرات في الأمسية عن قوة جذب وسحر نبرة صوت قرقناوي، التي تتسم بالهدوء وقوة التعبير، وقالت: "قدرة إلقائه الهادئ تبعث الراحة والطمأنينة في قلوب مستمعيه، وتشد حواسهم للاندماج في أفكاره التي يلقيها". فيما عبر قرقناوي عن سعادته بهذه الأمسية قائلاً: "من الجميل أن أكون بين أهلي لأول مرة في أمسية شعرية في المملكة، وأتمنى أن أكون قد وُفّقت في تقديم مادة تستحق". وعلق حول تعدد لغاته الإبداعية شعراً ونثراً وموسيقى قائلاً: "أنا أحسب نفسي شخصاً لديه رؤى وأفكار، أعبر عنها بأي أداة أتقنها وأراها الأنسب والأقدر على إيصال فكري". وختم: "لا بد لي أن أشكر أصدقائي في "جسور" لإتاحتهم لي هذه الفرصة، وأتطلع في المستقبل إلى التعاون معهم في عدة مشاريع". واختتم قرقناوي أمسيته التي فاضت فكراً وشاعرية وموسيقى بقصيدة "ورقة التوت" أهداها لولده عمر الذي أكمل سنة من عمره في الأيام القليلة الماضية: "يستفيء حلمي الصغير بقطرة ندى تسيل على خد الضحى تحمل معها ابتهالات يوم جديد.. وشمساً تشرق من ثغره الزاهي بألوان الأمل وحفنات من دعاء ونجوماً تتناثر من عينيه في كبد السماء تنبئ أن الخريطة لم تعد كما كانت وأن الزمان بعده غير الزمان".