تعدُّ صورة الإسلاميين في الإعلام العربي عامة وفي الدراما العربية خاصة مادة حوارية ونقاشية، توضع دائماً على موائد النقد الإعلامي، فمن متحدث عن تحالف وثيق بين السلطة والإعلام وآخر يتحدث عن سطوة لمنتقدي التدين في الإعلام. وحول العلاقة بين السلطة والإعلام يتحدث الدكتور فهد السنيدي الإعلامي السعودي ، عن قياس الظواهر الاجتماعية، فيقول: إن هناك إتفاقاً غير معلن ومبطن ومؤدلج، ولو لم يقل به أصحابه، وهذا موجود على الخطين والاتجاهين . ويضيف:"لعلك تذكر ذلك الفيلم الوثائقي الذي عرضته قناة العربية حول جماعات الضغط الأمريكية في مرحلة السياسة "البوشية"، حيث أثبت أن المحافظين يضغطون على أصحاب البرامج الحوارية لاستقطاب الليبراليين الضعفاء في الحوار، ويحقنون المقدم بجرعة حوارية عالية وقوية للضغط عليه وإضعاف فكرة التيار الليبرالي أمام المحافظين، وعرض الفيلم شواهد كثيرة جداً.. أما العالم العربي فلا يمكن أن يتم عرض مثل هذه الأمور لأنها لا تخضع لدراسة ولا نملك وثائق عليها لكنها موجودة غير معلنة في التيارين". ويبدو في أفق حديث الدكتور السنيدي نظرية المؤامرة والإتفاق الإعلامي، للهجوم على شخصية معينة، أو فكر معين، ويقوم به الطرفان الإسلامي وغير الإسلامي، حيث ثمة لقاءات ليلية ترتب لأفكار الإقصاء والهجوم، وهناك تخندق عنكبوتي ورسائل جوال من الطرفين، تحرِّك هذه الأمور، ولا أظن أن هناك مرحلة من الإحتقان والتراشق مرت بالمجتمعات الإسلامية أعظم من هذه المرحلة، لكن لا نملك أي مؤشر للقياس. ويعد دخول التيار الإسلامي في المجال الإعلامي متأخراً، ما أثر في تقدمه وتطوره، وأثر كذلك في منافسته للقنوات التقليدية الأخرى. ويشير الكاتب بصحيفة الوطن مجاهد عبدالمتعالي، إلى بداية النظرة السلبية للتيار الإسلامي في الإعلام، ويتحدث بالتأكيد عن (الإرهاب والكباب) وهو فيلم للفنان عادل إمام، انتقد فيه ظاهرة الإرهاب. يقول مجاهد عبدالمتعالي رابطاً النظرة الإعلامية بالسياسة: (الحركة الفنية عندما إتجهت للإسلاميين والسخرية بهم، بدأت منذ أفلام عادل إمام "الإرهابي"، و"الإرهاب والكباب"، لكن الذي حصل مع الفضائيات هو الشعور العام بالمأساة، فقتل المدنيين الذي عانت منه مصر لم نكن نلمسه بشكل مباشر، بل وصل عندهم الأمر إلى قتل فرج فودة، ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ، إذاً المفصل الحقيقي لاستقراء النظرة للإسلاميين على المستوى الإعلامي تبدأ من محاكمات سيد قطب التي تناقلتها وسائل الإعلام ثم قتل الرئيس السادات في استعراض عسكري غطاه الإعلام، أيضاً حركة جهيمان والنتائج التي نقلتها لنا وسائل الإعلام آنذاك، كل ذلك كان إرهاصاً لما تذكره في أسئلتك من إنتاج درامي يشوِّه الإسلاميين، هل نسيت هزيمة القوميين في إنفصال سوريا ومصر والنكسة أو النكبة 67 وغيرها، لقد أنتجت لنا "شقائق النعمان" للماغوط، و"السفارة في العمارة" لعادل إمام، وفيلم "الحدود" الذي يسخر فيه دريد لحام من أحلام القوميين القدامى التي ذهبت مع الريح، و"الإرهابي والعائلة"، و"الحور العين"، و"الإرهاب والكباب" ، و"دعاة على أبواب جهنم"، و"دم الغزال"، و"حين ميسرة"، و"الرهان الخاسر"، و"طيور الظلام"، أعمالاً فنية درامية، انتقدت ممارسات للإسلاميين بوصفهم مفارخ للإرهاب أو أنهم إرهابيون. يتحدث الدكتور فهد السنيدي عن أن عدم الحياد هو الأصل في تعاطي هذه الأفلام مع القضية الإسلامية، ويتهمها بضعف شديد في الرؤية والإتجاه وغلبة الأهواء الشخصية. ولا يتهم الكاتب مجاهد عبدالمتعالي الإعلام في (عدم الحياد) هذا، بل يتحدث عن مشكلة من داخل الصف الإسلامي نفسه ويقول: ( كل مرحلة بائدة تبدأ بالسخرية من نفسها، ولا تتهم الإعلام بل التهمة تنطلق من الإسلاميين أنفسهم، فعندما تسألهم عن آرائهم القديمة تفاجأ بسخريتهم بأنفسهم وعدم نضجهم ...إلى غير ذلك من تبريرات ساخرة يشنونها على أنفسهم، قبل أن يشنها الإعلام عليهم، ولو خالطتهم بصمت لفوجئت بكم النكت والحكايا الكوميدية التي يسترجعون فيها ماضيهم الإسلامي الذي يصفونه بالمتعجرف...إلخ). ولا يلقي الدكتور فهد السنيدي باللائمة على الفضائيات ووسائل الإعلام الإسلامية، كونه يبرر أن روادها والقائمين عليها تم إقصاؤهم من الآخرين، فيقول: (هناك حالات استثنائية لايقاس عليها، أسهمت في تدعيم الصورة، لكنها لن تستمر، لأنها تعاكس التيار وتسير بخط واحد، فهل من المنطق أن نطالبها بالتوازن وقد أقصاه الآخرون، ولم يفتحوا أصلاً المجال للإسلاميين، وهم أول من أوجد الإقصائية؟ ومن الصعب المطالبة بالتوازن في ظل صراع إعلامي لا يتيح إلا صوتاً واحداً وصورة واحدة! وهل الصورة الفكرية وحدها هي المطلوبة، أم صورة الحياة البسيطة المرحة أيضاً، كل هذا يوجد معادلة صعبة التوازن). و(ما تراه من إنتاج فني هو نتاج طبيعي للمرحلة الآفلة للتيار الإسلامي، فكما أن هناك ماركسيين تحولوا عن ماركسيتهم لأفول نجمها، كما فعل محمد عمارة ولبس العباءة الإسلامية، فسترى كثيرين وقد تخلوا عن أفكارهم القديمة الإسلامية وركبوا موجة الليبرالية مثلاً.. لا أعلم ما الموجة القادمة، ولهذا قلت الليبرالية مثلاً). هكذا يحاول مجاهد عبدالتعالي أن يبرر شكل الإسلاميين في الإعلام والدراما العربية، عبر إرجاع القضية للمنهج وأن المنهج هو سبب المشكلة. ويرجع السنيدي تبرير ذلك كله في الغالب، إلى ما سماه السياسة العدائية تجاه الإسلاميين وليس العداء ضد الإرهابيين، ويؤكد أن المسألة منطلقة من السياسة العدائية أكثر من المادية، ولا أدل على ذلك من تلك الصورة الدرامية الباهتة لأحد تلك المسلسلات، وما لقيه من نقد شديد، فهو بعيد عن الموضوعية والصنعة الإعلامية الحرفية، فذلك المسلسل ضعيف فكرةً وعرضاً ودراما، ومع ذلك كان ظالماً غير منصف، هدفه تشويه صورة الإسلاميين وليس الإرهابيين، فأي حياد هذا وأي إعلام؟ إن التربح له طريق آخر سلكه غيرهم.