ما زلت أذكر تلك التفاصيل الدقيقة والمرتفعات الخضراء وأوراق «الغلف» ورؤوس سنابل القمح وحقول الدخن المتراصة في صفوف على مد البصر.. ما زلت أذكر «العقم» و«الطارق» وموالا تهاميا في ليالي المطر وموسم الحصاد.. وما زالت تلك الرعود والبروق في عيني تبزغ عند الأفق.. وبعدها يتدفق السيل في الوادي في صخب جارف لا يبقى ولا يذر، وكانت البنات يأتين في الصباح «بسدرهن» «الملونة» «يسربن» سنابل الذهب ويختزن الخضير في كوانين من الطين.. وعند الغروب تستسلم الأبقار لتلك الأنامل السمراء الناحلة فتسكب حليبها حتى ترتوي الأرض ومن عليها، كانت حياة بسيطة وهانئة، وكانت قريتنا الصغيرة تنام بعد العشاء وتستيقظ مع أشعة الفجر.. وتبدأ المطاحن الحجرية تئن تحت وطأة سواعد النساء وهن يطحن القمح بلا ملل وبلا تعب، وكانت أكواخنا البدائية تضاء بعيون أمهاتنا وبسراج خافت الضوء، ولكن القمر في الخارج كان يرسل أشعته الحالمة إلى كل الروابي والتلال.. وكانت ردائم الفل تتراقص وتتمايل مع نسيم الصباح، كان «الهوى جنوبيا» لا يصد ولا يرد.. وكان الحب كذلك يركض طليقا في السهول والجبال ويرتفع مع غيوم السماء، وكانت حتى صخور الجبل وحصى الوادي تعرف العشق والحب.. مدينتنا الصغيرة كانت تعرف الحب الكبير وتعلمه لكل أبنائها، وإذا رأيت غدا كل هذا الوله والحب في عيون الرجال والنساء فلا تعجب، فأنت في جازان.. نحن في هذه الأرض لا نعرف إلا الحب، قد نتعب ونشقى، ولكن الحب والولاء على أرضنا لا يفنى، نحن قوم نصرخ بملء أصواتنا ونقفز في الهواء من شدة الألم والفرح معا.. فإذا رأيت القافزين على الأرض فلا تعجب!!.. لأن قلوبنا هي التي تسبقنا إلى السماء، وإذا رأيت تلك العصابات المعدنية وأطواق الزهور التي تزين رؤوس الرجال والنساء فلا تعجب، فهي عصابة الشرف والولاء. نحن الحب الأكبر في الوطن الأكبر. للتواصل أرسل sms إلى 88548 الاتصالات ،636250 موبايلي، 737701 زين تبدأ بالرمز 254 مسافة ثم الرسالة