الأجواء التي تعيشها المنطقة العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة وحجم التغييرات الحاصلة، وما أورثته من صراعات وبلبلة، وكثرة المحللين والمنظرين والمفتين أفرزت ظاهرة جديرة بالبحث، فقد ذهب كثيرون إلى استحضار أحاديث فتن آخر الزمان وأشراط الساعة وتحليلها ويحاولون إسقاطها على ما يجري، وأصبحنا نسمع في كثير من المجالس ومن كثير من الناس: هل اقترب زمن المسيح الدجال!!.. وهل أصبح ظهور المهدي عليه السلام وشيكا!! ويمعنون في تحليل الأحداث وتواريخها حتى يخرجوا بما يعزز وجهة نظرهم، وفي خضم كل ذلك استحضرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما جاءه رجل من أهل البادية، فقال: يا رسول الله، متى الساعة قائمة؟، قال: (ويلك، وما أعددت لها). قال: ما أعددت لها إلا أني أحب الله ورسوله، قال: (إنك مع من أحببت) (صحيح البخاري). فنحن ليس مطلوبا منا أن نبحث متى الساعة، أو هل هذا الزمن هو آخر الزمان أم لا!!، إنما نحن مكلفون ومسؤولون عما أمرنا الله به من عبادات وواجبات ومندوبات، وأن نسعى في مرضاته سبحانه وتعالى في أنفسنا وأهلينا وفي إعمار الأرض كما هو مطلوب منا في قوله تعالى (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) (سورة هود 61). والخطير في المسألة أن بعض الذين يخوضون في هذه الأمور يخرجون بنتيجة أن الإنسان يجب أن يعتزل كل ذلك حتى لا يكون ممن يطولهم الإثم في هذه الفتن، وهنا خلط كبير، فالاعتزال للفتن أمر محمود ومندوب إليه، ولكنه لا يعني بحال من الأحوال التقصير في الواجبات، وفي بناء المجتمع أو إعمار الأرض، فلقد جاء في الحديث الشريف: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها) (مجمع الزوائد للهيثمي)، فالمقصود هنا أن لا نكون جزءا من المشكلة، وإنما نكون جزءا من البناء ونشر التقوى والصلاح، وأن نبدأ بأنفسنا وأهلينا ومن نعول ثم الأقربين وجيراننا وأهل مدينتنا... إلخ، وبذلك يصلح المجتمع، ويصلح الزمان، وعلينا أن نستحضر في هذا المجال قوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الرعد 11). ومجمل القول إن المؤمن يجب أن ينأى بنفسه عن كل تقصير، وأن يعطي كل شأن ما يستحقه من الاهتمام، وأن يكون كل امرئ مصدرا للنفع ومنع الضرر قدر استطاعته وبقدر ما أوجبه عليه الله سبحانه وتعالى من المسؤوليات. فأسأل الله أن يجنبنا والمسلمين شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يهدينا جميعا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا هداة مهتدين صالحين مصلحين. وما توفيقي إلا بالله.