الرياضة أو كرة القدم على وجه الخصوص لها سحر خاص، يأخذ الناس ويجرهم من أهدابهم إلى متعتها الاستثنائية التي لا تقاوم، إذ الفن والهتافات واللغة التي يسطرها اللاعبون على أرض الملعب. «الاتحاد» ناديا رياضيا أو على الأدق فريقَ كرة قدم، حالة فريدة في المشهد الرياضي السعودي، هو أشبه برجل أو إنسان بسيط، بالكاد يجد قوت يومه، إذ يحفرُ في الصخر من أجل أن يسعِد أبناءه بليلة وافرة من العيش الكريم. لم يولد الاتحاد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل كان ناديا يتحلق حوله ويقصده بسطاء الناس وعامتهم، وعانى في بداياته كثيرا، لكنه ابتلع كل تلك المنغصات والعقبات والتحديات وجعلها وقوده الحي والقوي من أجل أن يكون علامة مهمة ومضيئة في مسيرة الرياضة السعودية عندما اعتلى عرش القارة الآسيوية مرتين متتاليتين وشرف الوطن العظيم في بطولة عالمية هي مونديال أو بطولة كأس العالم للأندية واستحق أن يكون الفريق الرابع على مستوى العالم مع أنه، حينذاك، كان بإمكانه أن يذهب إلى أبعد من ذلك. لهذا لم أستغرب من رئيس قسم المخ والأعصاب البروفيسور يوسف السيد وجراح المخ والأعصاب أيضا البروفيسور صالح باعيسى، وكلاهما من مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، ومعهما المؤرخ الرياضي الكبير «أمين ساعاتي» هم جميعا أصدقاء أقول لم أستغرب أن يتركا وقت الفراغ البسيط والضئيل جدا في حياتهما بعد الأوقات الطويلة التي يقضونها في غرف العمليات وعلاج مرضاهم، دون أن يتابعا اتحادهم الجميل، ليست متابعة عشق وهوى، بل اهتمام محبين عظيمين، إذ نذرا زمنهما الباقي وأموالهما وجهدهما في رصد مسيرة نادي الاتحاد خلال ما يقرب من قرن كامل تبقت عليه سنوات قليلة ليكون النادي المئوي. هنا، التقتهما «عكاظ» مع المؤرخ الكبير الدكتور أمين ساعاتي وسألت كل واحد من «العشاق» الثلاثة أسئلة مختلفة لكنها، أي أسئلتنا، تصب في نهرٍ واحد يقفون عليه ويشربون منه ويزينون مجراه. هذا النهر هو الاتحاد وإليه يهدون كتابهم ويجعلونه وفق تصرف عميدهم بالكامل.. فإلى نص الحوارات مع العشاق الثلاثة: لجنة التوثيق ارتكبت خطأ قانونيا فادحا سألت أولا الدكتور أمين ساعاتي.. كتابكم الذي شاركت في تأليفه مع الدكتور يوسف السيد وصالح باعيسى هل الهدف منه توثيق بطولات النادي، وهل هو رد استباقي على أعمال لجنة توثيق البطولات التي شكلت أخيرا؟ يوجد خلط في السؤال، إن الهدف الأول للكتاب هو حفظ تاريخ النادي في جميع مجالات حياته الرياضية والثقافية والاجتماعية، ومن بينها توثيق بطولاته، والبطولات ملكية خاصة بالنادي، وليس من حق أي إنسان أو أي طرف أن يتحكم في هذه البطولات. والنادي هو الجهة الوحيدة صاحب الحق في التصرف في ملكيته الخاصة، ولذلك فإن إطلاق اسم لجنة التوثيق توغل واجتراء على حقوق من له الحق، أي إن إطلاق اسم التوثيق على اللجنة هو خطأ قانوني، لأنه كيف نعطي جهة ما حق التصرف في ما لا تمتلكه؟ وكيف نسمي اللجنة بلجنة التوثيق وهي ليس من حقها ولا اختصاصها التوثيق؟ لذلك إن الجهة الوحيدة التي تملك حق توثيق البطولات هي من يملك هذه البطولات وهي الأندية، بمعنى أوضح الجهات الإدارية لا تملك البطولات، بل هي الجهات التي أعطت البطولات منذ أن كان اسمها الإدارة العامة للتربية الرياضية في 1373 بوزارة الداخلية، ثم انتقلت إلى وزارة المعارف في عام 1380، ثم انتقلت إلى وزارة العمل في عام 1382، ثم تحولت إلى الرئاسة العامة 1394، ثم تحولت إلى الهيئة العامة للرياضة في 1437، والأندية حققت بطولاتها بالعرق والجهد والمال وبكل ما تمتلك وتستطيع، فكيف بكل بساطة تنزع من الأندية بطولاتها؟ أكثر من هذا أن رعاية الشباب في كل لوائحها تعترف بأن البطولات حقوق مكتسبة للأندية، فكيف تأتي لجنة وتختطف البطولات من حرزها المكين؟! حركة الحياة هناك نسخة من الكتاب باللغة الإنجليزية طبعت بالتزامن مع النسخة العربية. هل تريدون أن تصلوا إلى الفيفا مثلا، وهل من الممكن أن يأخذ الاتحاد الدولي أو يعتمد بطولات ناد دون مظلته المحلية ومرجعه الإقليمي؟ نحن شرعنا في كتابة كتابنا قبل تشكيل لجنة التوثيق، بمعنى إننا لا نقصد الاستباق على اللجنة أو غير اللجنة، حينما عرفنا أن اللجنة تستخدم معايير غير منصفة وغير علمية صرفنا النظر عنها تماما، وكما سبق أن قلت إن الأندية صاحبة الحق في تثبيت وتوثيق بطولاتها بالموضوعية و المعايير العلمية، وإنما هدف كتابنا هو تدوين وتوثيق تاريخ نادينا في جميع المجالات الرياضية والاجتماعية والثقافية، وليس الهدف توثيق بطولات كرة القدم فقط، أما في ما يتعلق بأننا نسعى إلى الاتحاد الدولي (فيفا) لكي يصادق على البطولات نحن لا نسعى إلى الفيفا من أجل توثيق البطولات، بل نسعى إليه من أجل تعريفه بكل فعاليات النادي - كما ذكرنا - في كل الألعاب والنشاطات. ويجب أن ندرك بأن الفيفا يعنى بنتائج المنتخبات وليس الأندية، ولو كان معنيا بتوثيق بطولات الأندية لورط نفسه، فالأندية تعاني من خلافات لا حصر لها في كل أنحاء العالم! والفيفا لا يريد أن يقحم نفسه في مشكلات كل الأندية التي ليس لها حدود، وتكفيه المشكلات التي يعانيها والفساد الذي يقطع أوصاله! وبالنسبة لإصدار الكتاب بنسخته الإنجليزية، فإن نادي الاتحاد تجاوز الداخل السعودي، وأصبح ناديا عالميا، ولذلك كان لابد من إصدار كتاب باللغة الإنجليزية حتى يقدم نفسه للمحيط والمحافل الدولية بلغة أهلها. أنت رجل معني بالتاريخ، كيف ترى عمل لجنة التوثيق وإسقاطها عددا من البطولات عن الأندية الكبيرة وخصوصا الأهلي والاتحاد والنصر؟ دعنا أولا نُعرف التاريخ، التاريخ ببساطة تعبير عن عبقرية الزمان في كل مكان محدد، أو لنقل إنه حركة الحياة في زمان ومكان معينين، إذا كان هذا هو التعريف المبسط للتاريخ، كيف أعطي لنفسي حقا بإلغاء بطولات نظمها المنظمون وتمت في الزمان والمكان المحددين؟! أما إذا كانت الحجة أن البطولات تمت قبل تأسيس الجهات الحكومية هنا الأمر بسيط نعود إلى قاعدة (الأثر الرجعي)، وهي قاعدة قانونية معترف بها، بمعنى إذا كانت اللوائح تقرر بطولات اليوم، فإننا نعتمد البطولات التي اُقيمت في الماضي بنفس شروط الحاضر. ولذلك يجب أن نعرف أن مبدأ إلغاء أحداث وقعت في الواقع ترفضها علوم التاريخ، وإنما على المؤرخ أن يذكر كل شيء وقع على أرض الواقع مع التعليق والتوضيح دون إلغاء الحقائق التي وقعت على أرض الواقع. مثلا في عام 1372 نظمت وزارة الداخلية بطولة على كأس وزير الداخلية، اللجنة للأسف ألغت البطولة الرسمية، وحينما نعود للتعريف السابق للتاريخ، نجد أنها بطولة وقعت في أرض الواقع ونُظمت من جهة حكومية في الزمان والمكان. إذن ما هو مبرر إلغائها؟!. دعونا نتساءل: هل يذهب نادي برشلونة أو نادي ريال مدريد إلى الفيفا للتصديق على بطولاته، أو هل يذهب ليفربول أو مانشستر يونايتد إلى الفيفا للتصديق على بطولاته، ثم هل يذهب بنفيكا البرتغالي أو ميلانو الإيطالي إلى الفيفا للتصديق على بطولاته! لم يحدث هذا. إذن لماذا نفكر في الذهاب إلى الفيفا للتصديق على بطولاتنا ؟! والسؤال الثاني: هل الهيئة العامة للرياضة مسؤولة عن التصديق على بطولات الأندية السعودية في كرة القدم؟! إذا كانت هي المسؤولة: كيف تلغي بطولات هي التي نظمتها في فجر تاريخها الأول؟!هذا على أساس أن تاريخ الهيئة العامة للرياضة يبدأ من عام 1373 حينما كان اسمها الإدارة العامة للتربية الرياضية بوزارة الداخلية، ثم أصبح اسمها اللجنة الرياضية العليا، ثم أصبح اسمها رعاية الشباب، ثم أصبح اسمها الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ثم أصبح في عام 1437 الهيئة العامة للرياضة. هذه التغيرات في تاريخ الجهات الحكومية المشرفة والمنظمة للرياضة الأهلية تغيرات حدثت بموجب أوامر ملكية وقرارات لمجلس الوزراء، ولم تحدث من جهات غير معترف بها حتى نلغي بطولات قامت بتنظيمها!! الدولة احتفلت بالمئوية في عام 1419 على أساس أن دخول الملك المؤسس عبدالعزيز طيب الله ثراه العاصمة الرياض هو يوم تأسيس مملكته الفتية، إذن كل الأحداث السياسية والرياضية والثقافية والاجتماعية التي حدثت في المملكة في الفترة من عام 1319 وحتى اليوم.. هي من صميم تاريخ مملكة عبد العزيز، ولا يصح إلغاء أي حدث وقع طوال هذه الفترة. لأنه من الصعب بل من المحظور إلغاء جزء مهم من تاريخ أداء حكومة الملك المؤسس عبدالعزيز. الكتاب سيباع لصالح النادي قلت للبروفيسور السيد.. في كتابكم عن الاتحاد والذي شارككم في تأليفه الدكتور أمين ساعاتي والدكتور صالح باعيسى، هل يمكن أن تكونوا منصفين عندما تتحدثون عن عشقكم؟ إن عشق هذا النادي التسعيني وكتابة التاريخ شيئان منفصلان عن بعضهما، فكتابة التاريخ تتطلب رصده وتدوينه كما هو وإعطاء كل نادٍ حقوقه الأدبية والتاريخية. لقد استغرق جمع الوثائق لهذا الكتاب خمس سنوات ليكون في خدمة الرياضة والرياضيين، ولقد سجلنا في هذا الكتاب اعتذارنا عن أي معلومة خاطئة من غير قصد أو سقوط اسم أي شخص سهوا، كما نعد الجميع بتعديلها في الطبعة الثانية بإذن الله. الكتاب كله عن الماضي، فماذا عن حاضر الاتحاد ومستقبله وهل يمكن في ظل الديون التي تعصف بالاتحاد أن يصبح النادي قادرا على العودة للواجهة كما كان؟ إن نادي الاتحاد نادٍ جماهيري من الطراز الأول، ويستمد قوته من جماهيره وأعضاء شرفه الداعمين، وأنا متأكد بحول الله من عودة الاتحاد لحصد البطولات، وقد مر النادي بأزمات كثيرة في تاريخه كنهاية الثمانينات الهجرية وعاد قويا بعدها. أصدرتم الكتاب قبل فترة، أي في فترة عهد الإدارة السابقة، لكنها لم تُبدِ اهتماما بتدشين الكتاب على رغم عرضكم عليها ذلك وتنازلكم عن أي حق مادي، وأن يكون الكتاب في تصرف النادي، فما هو السبب في هذا التجاهل وهل ستطرحون الموضوع مع الإدارة الحالية؟ لا أعتقد شخصيا أن هناك تجاهلا من الإدارة السابقة، ولكن قد يكونون مشغولين كثيرا في شؤون النادي، ولا يعرفون أن هذا الكتاب قد يكون دعما لهم، إن هذا الكتاب قد صدر منذ ستة أشهر وتأخير تدشينه كان خيرة لنا، إذ قررنا ترجمته إلى اللغة الإنجليزية ليصبح من أوائل الأندية العربية التي تمتلك كتابا باللغتين العربية والإنجليزية، وسوف نرسل خطابا رسميا إلى رئيس مجلس إدارة نادي الاتحاد لنعلمه بتبرعنا بكامل نسخه ليباع في متجر النادي، ويكون دخله كاملا لنادينا الحبيب، وهي مساهمة بسيطة جدا لا تقارن بدعم رجالات العميد عبر التاريخ ووقوف جماهيره التي تعتبر صناع القرار كما ذكر في الكتاب. الجمهور الاتحادي هو صاحب القرار وسألت الدكتور باعيسى: في كتاب الاتحاد جعلتم الجمهور الاتحادي هو اللاعب رقم واحد ووصفتموهم بأصحاب القرار، هذه لفتة جيدة، ولكن فيها مبالغة، إذ إن الجمهور لا يمكن أن يقرر أو يرسم دور أي فريق، فهل أردتم تسويق الكتاب على حساب الجمهور؟ أبدا، هذا الكلام غير صحيح، وما نحن في الكتاب إلا مدونون للحقائق، فلقد وصف جمهور الاتحاد بأنه صاحب القرار منذ فترة طويلة، وأول من ثبت هذه المقولة الصحيحة هو الأستاذ إبراهيم البلوي وقد سجلناها في الكتاب كما سجلنا أن أول من أطلق على لاعبي الاتحاد النمور هو الأستاذ عادل عصام الدين. في الكتاب جهد جيد، ولكن يبدو عشوائيا خصوصا في الإخراج، إذ لم يكن هناك تنسيق بين المواد والصور، فهل تعجلتم في إصداره، وهل تنوون إصدار طبعات أخرى منه مستقبلا تتلافون فيها الأخطاء؟ لا أوأفقك على هذا الرأي، بل نعتقد أن إخراج هذا الكتاب كان جيدا، ونترك الحكم للقارئ، ونتقبل رأيه بصدر رحب، كما ننوي إصدار طبعات أخرى مستقبلا حتى نتلافى أي أخطاء وقعنا فيها، ولا يوجد كتاب مطبوع من غير أخطاء. في ظل المعطيات الحالية، وبعد وفاة الرئيس المنقذ أحمد مسعود رحمه الله، كيف ترى مستقبل الاتحاد، وكم يحتاج من الوقت للعودة إلى المنافسة؟ إن وفاة أحمد مسعود يرحمه الله، الرئيس الذهبي لنادي الاتحاد هي صدمة لأسرته، ونادي الاتحاد والرياضة السعودية بأكملها، فهذا الشخص خدم الرياضة لاعبا ورئيسا لنادي الاتحاد، وتحققت في عهده تسع بطولات ليصبح صاحب أكبر رصيد من البطولات في هذا النادي التسعيني، ونحن ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق الإدارة الجديدة واللاعبين لإكمال مسيرة الرئيس الذهبي الأستاذ أحمد مسعود.