الثروة الوحيدة التي لا تنضب أبدا، والعمود الفقري للأمم، هو الشباب. فلا تخلو أمة من شباب، منذ أن خلق الله تعالى آدم عليه السلام، والتاريخ الإنساني يشهد بأن الشباب كانوا عماد بلدانهم، يزرعون ويحصدون، يصنعون وينتجون، يدافعون عن حدود البلاد، ويوفرون الأمن للعباد. ومع هذا، يغفل كثيرون من الدول عن استغلال هذه الثروة المتجددة، وينشغلون عنها بما يرقد تحت الأرض والتراب. هذه الخواطر تواترت في ذهني وأنا أشاهد الكثير من شبابنا وقد خاب أملهم وأمل ذويهم في الالتحاق بكليات الجامعات المختلفة في ربوع المملكة، وراح الميسورون يبحثون عن جامعات خارج البلاد، غربا وشرقا، معرضين فلذات أكبادهم لاختبارات ومواجهات صعبة، لم يعتد كثير منهم على التعامل معها. نعم، بعضهم يعود موفقا، لكن الكثيرين منهم يتعثرون، بل بعضهم يتوهون في هذه المجتمعات الغريبة، بتقاليدها وأعرافها. هل لا بد لكل شاب أن يلتحق بالجامعة؟ وهل الالتحاق بالجامعة دليل على التعلم؟ وهل يستوعب سوق العمل الآلاف من خريجي كثير من الكليات التي هي بمثابة «ماكينات» تفريخ، يدخلها الشاب ويتخرج فيها، ولم يستفد شيئا ؟! لماذا لا يتجه هؤلاء الشباب إلى تعلم وإتقان المهن والحرف التي نحن في أشد الحاجة إليها ؟. الإجابة عن هذا التساؤل تحتاج إلى العمل التوعوي لتغيير ما يسود مجتمعنا من رؤى خاطئة، باعتبار خريج الجامعة هو النموذج الأمثل للشاب الذي يتمناه الآباء زوجا لبناتهم، أو عونا لهم في أعمالهم. فليعلم هؤلاء - الآباء والأبناء - أن كثيرا من أنبياء الله - وهم أشرف الخلق - كانوا من ذوي الحرف اليدوية، فكان نوح نجارا، وكان إدريس خياطا، وكان داوود حدادا، أما عن الصحابة الكرام، فحدث ولا حرج، إذ كان منهم التاجر والجزار، بل إن علماءنا في كثير من فروع العلم والمعرفة، كانوا من أرباب المهن والحرف، فكان الفراء، والزجاج، وغيرهما. فقد وفرت حكومتنا الرشيدة المعاهد المتخصصة لتعليم أصول الحرف والمهن، وأنشأت الكليات المهنية والتقنية المعتمدة. فأين الشباب الذين تخرجوا ولماذا لا يركز هؤلاء الشباب على هذه الكليات ؟ فإنها نعم الكليات والمعاهد. كما نحتاج إلى سن التشريعات والأنظمة التي تشترط على أصحاب المؤسسات ورجال الأعمال، عدم تشغيل أحد إلا إذا كان متخصصا في مهنته، فكم نعاني من هؤلاء الوافدين الذين جاؤوا إلى بلادنا ويزعمون أنهم سباكون ونجارون وحدادون وكهربائيون، وهم لا يعرفون عن هذه المهن شيئا، وينعكس جهلهم هذا على ما يشاركون فيه من أعمال. صدقوني، سنكسب كثيرا لو أحسنّا الاستفادة من «كنز الشباب»، إذ سنعلي من قيمة العمل اليدوي، وسيتم الاستغناء عن الآلاف من الأجانب الذين جاؤوا من بلادهم بلا مهنة أو حرفة، ويتعلمون في منشآتنا ومصانعنا ومؤسساتنا، ومن ثم يشتد عود اقتصادنا، بل ويستريح مجتمعنا من مشاكل عديدة نتيجة تواجد هؤلاء الذين يختلفون في عاداتهم وتقاليدهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم عنا. [email protected]