تُبذل الشفاعات الحسنة لإحقاق حق أو لدفع ظلم أو لمساعدة طالب في أمر من الأمور المباحة، فيكون للشافع الحسن نصيب وافر من الحسنات مقابل شفاعته الحسنة التي أقام بها الحق أو دفع بها الظلم أو ساعد إنساناً في قضاء حاجة من حوائج الدنيا. كما يبذل بعض الناس شفاعتهم دون أن يتحروا عما إذا كانت شفاعتهم حسنة أم سيئة، بل إن بعضهم يعلم علم اليقين أن شفاعته قد بُذلت لإيقاع الضرر والظلم بخصم من بذلوا الشفاعة السيئة لمعاونته على الظلم أو أكل حقوق الناس بالباطل، ومع ذلك يُبادرون إلى بذل الشفاعة، فتراهم يسيرون زرافات ووحداناً لإنقاذه مما تورط فيه من ظلم أو أعمال منافية للأخلاق أو الأمانة، (وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً) مع أن الآية الكريمة قد حذّرت من الشفاعة السيئة، وأن من يبذلها يكون له كِفل منها؛ أي نصيب وافر من الوزر والإثم، حيث قال عز وجل (ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كِفل منها وكان الله على كل شيء مقيتاً) فهو القادر على أن يُجزي المحسن على إحسانه والمسيء على إساءته. ولا شك أن أصحاب الشفاعة السيئة مسيئون وظالمون لأنفسهم ولغيرهم بما بذلوه من شفاعة أضاعوا بها حقاً أو حموا بها مجرماً مستحقاً للعقاب أو أوقفوا بها مجريات العدالة ضد من شفعوا له حمية أو طلباً للسمعة بين الناس، وكيف تكون لمن يشفع شفاعة سيئة سمعة طيبة، لا سيما إن كان باذل الشفاعة من أهل الدراية والعلم، وأن من تشفع فيه شفاعة سيئة تدور حوله الشبهات وتتعدد ضده الشكاوى وله ملفات في عدة جهات وكُوّنت حول أفعاله لجان تحقيق، وكان بإمكان أولئك الشفعاء إن أرادوا الخير والبر أن يتحروا عما يريدون الشفاعة فيه قبل إقدامهم على بذل شفاعتهم، أما التسرّع في بذل الشفاعة دون تحرٍ أو بحث عن الحق فإنه لا يمكن تفسيره تفسيراً حسناً، بل إنه قد يُفسّر بكونه إمعاناً في مساندة الظلم والباطل وإصراراً على الشفاعة السيئة دون أي إحساس بالمسؤولية أو خشية من مآل الباذل للشفاعات السيئة، أما الشخص أو الجهة التي تتجاوب مع الشفاعات السيئة فإنها تكون مُعينة على الظلم مكرسّة للفساد، فلولا أنها قبلت تمرير الشفاعات السيئة لمَا ظفر شفعاء السوء بمطلبهم، وهؤلاء جميعاً إن لم يُحاسبوا في الدنيا ووجدوا من يُجادل عنهم وعن أعمالهم فمن يُجادل الله عنهم يوم القيامة؟.