في تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأربعاء الماضي تحت عنوان «تصعيد غير مسبوق ضد السعودية في الكونجرس الأمريكي» قال مدير «مركز بروكينجز» السيد بروس ريدل الذي عمل طوال 30 سنة في وكالة الاستخبارات الأمريكية إنه لم يسبق له أن رأى مثل هذه الأنشطة ضد السعودية في الكونجرس منذ أكثر من ربع قرن، مضيفا: «أعتقد أن انتقاد المملكة العربية السعودية قد خرج من الخزانة ولا أظن أنه سيعود للخزانة مجددا». والحقيقة أن حديث السيد ريدل لا يتضمن أي مبالغة فقد بات من الواضح أن الشرخ في العلاقات السعودية الأمريكية آخذ في الاتساع كنتيجة طبيعية لوقوف الرياض طوال 5 سنوات مضت في وجه مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي خططت له دوائر الاستخبارات الأمريكية منذ ثمانينات القرن الماضي ولم يكن واردا في الحسبان آنذاك أن تتحول الدولة الحليفة لواشنطن إلى حائط صد لأحد أهم مشاريعها في العالم بين عشية وضحاها. صوت الكونجرس الأربعاء على قانون يمنع بيع الأسلحة للسعودية، ويستعد حاليا لتجاوز الفيتو الرئاسي على قانون جاستا الذي يسمح لعائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر بمقاضاة السعودية بحجة علاقاتها المزعومة بالإرهابيين منفذي الهجوم، فيما يتجاهل كل جرائم إيران في المنطقة وكل الأدلة التي تؤكد تورطها في احتضان مشروع تنظيم القاعدة منذ انطلاقته والقرائن التي تشير لعلاقتها المباشرة بأحداث 11 سبتمبر فلماذا يا ترى؟ مخطئ من يظن أن كل ما يحدث نتيجة لتفوق اللوبي الإيراني في توجيه السياسة الأمريكية بعد تحسن العلاقات نتيجة الاتفاق النووي، فطهران لا تملك الاستثمارات الضخمة التي تملكها السعودية في السندات الأمريكية ليسيل لها لعاب لصوص واشنطن، وطهران لا تهدد مشاريع أمريكا في المنطقة إذ أنها تسير أصلا في صالحها، ومخطئ كذلك من يعتقد أن للحملات الإعلامية التشويهية ضد السعودية الدور الأكبر في تحول وجه الكونجرس عن الرياض، فكل ما يحدث عبارة عن رسائل أمريكية متتالية لاختبار رد فعل السعودية على هذه الضغوطات، فإن استجابت الرياض لها تواصلت الضغوطات أكثر لكسب كل ما يمكن كسبه منها نتيجة ذلك، وإن سارعت لاتخاذ إجراءات مضادة فسيعيد الأمريكيون حساباتهم ويتوقفون مرحليا عن اللعب في هذا المضمار تجنبا لتفاقم خسارتهم فيه. حسنا ما الذي يمكننا فعله تجاه ذلك؟ برأيي علينا المسارعة في الإعلان للعالم عن أننا نراجع قانونا لإيقاف استيراد السلاح من الولاياتالمتحدة كرد على تحركات الكونجرس ضدنا، كما ينبغي المسارعة بإعلان أننا ندرس سحب استثماراتنا منها لأن السياسات الأمريكية الجديدة تجعل الاستثمار في السندات الحكومية الأمريكية عالي المخاطر وغير مرغوب به، هذا إضافة إلى أن من المفيد أن نلوح بأن بإمكاننا مع كافة حلفائنا في «التحالف الإسلامي» أن نطبق قانون جاستا بالمثل على الدبلوماسيين الأمريكيين، ما لم يتوقف هذا اللعب الأمريكي ضد مصالحنا. [email protected]