ضربة الحذاء رفعه رافائيل بيبير في يده هذا الحذاء، هكذا مثلما تراه، له قصته. وروى لي أن هذا الحذاء كان لمريض لا يستطيع التنفس. في بعض الأحيان يؤدي جهاز خاص أو بعض أقراص الدواء إلى فتح صدره لوقت قصير، لكن الهواء يذهب ولا يرجع، مهما حاول المختنق استدعاءه. في إحدى الليالي قذف المريض، وهو يعاني، بحذائه نحو النافذة المغلقة. وأخيراً دخل الهواء إلى بيته وإلى بدنه، فاستطاع أن ينام بعض الوقت، بعد ليالي عذاب طويلة. حين استيقظ، كانت الأرض مغطاة بفتات الزجاج. لم تكن النافذة، ليس أي نافذة: ذلك الزجاج ما تبقى من المرآة، مرآته التي كسرتها ضربة الحذاء وفتتتها ألف قطعة. سلام الماء المحكمة الأشد عدالة في العالم وهي الأقدم في أوروبا كذلك ليست مؤلفة من حقوقيين. محكمة المياه تأسست في مدينة بلنسية عام 960، ومنذ ذلك الحين تجتمع المحكمة كل يوم خميس، في منتصف النهار، عند بوابة الكتدرائية التي كانت مسجداً. هذه العدالة لا تأتي من أعلى، ولا من الخارج: القضاة من المزارعين الذين يزرعون أراضيهم، ويحلّون في ما بينهم النزاعات المائية على السواقي التي تروي بساتين بلنسية. السواقي، مثلما هي المحكمة، من ميراث إسبانيا الإسلامية. بلاد اسمها زبالة في العام 1997 اكتشف الملاح تشالز مور أرخبيلاً جديداً جنوبي المحيط الهادي. الأرخبيل المكون من زبالة، تزيد مساحته ثلاث مرات على مساحة إسبانيا. الجزر الخمس التي تشكل تلك المزبلة الشاسعة تتغذى بالبلاستيك والإطارات المستعملة والكثير الكثير من الفضلات الأخرى التي تلقي بها الحضارة من المدن إلى البحر المفتوح. في العام 1013 بدأتْ حملة لمنح مرتبة دولة لهذه البلاد التي يمكن أن يكون لها عَلمها الخاص. طرد في المدرسة، علمتنا المعلمة أن الفاتح الإسباني «بالبوا»، رأى من فوق إحدى قمم جبال بنما المحيط الهادي من جهة، والمحيط الأطلسي من الجهة الأخرى. وقد كان هو، كما قالت المعلمة، أول إنسان يرى البحرين العظيمين معاً. رفعتُ يدي: يا آنسة، يا آنسة. وسألتها: والهنود، هل كانوا عمياناً؟ فكان أول طرد في حياتي. مقاهٍ لها تاريخ في مقهى القاهرة، وهو ليس في مصر إنما في مدينة رسايو الأرجنتينية، هنالك منضدة خاصة لروبيرتو فونتاناروسا، رسام وكاتب. لقد مات منذ سنوات، ولكنه لا يتغيب أبداً. يأتي دوماً برفقة كلبه «ميندييتا» وصديقه إنودوروبيريرا. في مقهى تورتوني، ببوينس أيرس، تأسس أول تجمع للفنانين والكتّاب الأرجنتينيين. الأكاديمية البرازيلية للغة، برئاسة الروائي ماتشادو دي آسيس، كانت تجتمع في مقهى كولومبو بريو دي جانييرو. وفي مقهى بارافينتي، بمدينة سان باولو، كانت أولغا بيناريو ولويس كارلوس بريستس يتخيلان الثورة البرازيلية. في أزمنة المنفى، كان تروتسكي ولينين يناقشان مسألة الثورة الروسية في المقهى المركزي بفيينا. بعض أعمال الشاعر البرتغالي فرناندو بيسوا البارعة كُتبت في مقهى البرازيل بمدينة لشبونة. بينما كان القرن العشرون يولد، قدّم بابلو بيكاسو أول معرض لأعماله في مقهى إلسكواترياتا ببرشلونة. في العام 1898، كتب إيميل زولا مرافعته المشهورة «إني أتهم!» في مقهى لاباكسبباريس. في العام 1914، الاشتراكي جان جاوري الذي كان قد أعلن الحرب على الحروب جرى اغتياله في مقهى دو كرواسانبباليس. مقهى ريش في القاهرة، كان في العام 1919 مركز التمرد المصري ضد الاحتلال البريطاني. في العام 1921، افتُتح في شيكاغو مقهى سونسيت، حيث كان لويس ارميسترونغ وبيبي غودمان يفردان أجنحة موسيقاهما. فلنخرج في نزهة في أواخر القرن التاسع عشر، كان كثيرون من أهالي مونتيفيديو يخصصون أيام الآحاد لنزهة مفضلة: زيارة السجن ومشفى المجانين. يتأملون السجناء والمجانين، وكان أولئك الزوار يشعرون أنهم أحرار جداً وعاقلون جداً. أبواب مغلقة في شهر أغسطس 2004، حدث حريق في مركز تجاري بمدينة أسونثيون عاصمة الباراغوي. وقع ثلاثمئة وستة وتسعون قتيلاً. كانت الأبواب مغلقة، كي لا يهرب أحد دون دفع الحساب. أحجية اجتمع الأصدقاء على مأدبة عظيمة، وكان هناك شرط وحيد: سيأكلون وعيونهم مغطاة بعصابة. في النهاية طلب منهم الطاهي: فليقل كل فم ما الذي أكله. كان رأي الأغلبية: ما أكلناه له مذاق الدجاج. كان الدجاج هو الحيوان الوحيد غير الموجود في قائمة الطعام، لكن أحداً لم يناقش المسألة. ففي نهاية المطاف، لم يعد للدجاج نفسه مذاق الدجاج، لأن لكل شيء الآن مذاق كل شيء أو مذاق لا شيء، وفي أزمنة الزي الموحد الإجباري هذه صارت فراخ الدجاج تُصَنَّع بالجملة، مثلما هي الأصداف البحرية والأسماك. ومثلنا نحن. تشخيص للحضارة في مكان ما من إحدى الغابات، علّق أحدهم: كم هم غريبو الأطوار هؤلاء المتحضرون. جميعهم لديهم ساعات ولا وقت لدى أي منهم.