في لقاء تلفزيوني مع أحد الأشخاص المحبين للإبل، ظهرت على لسانه إساءة واضحة تقتضي التشكيك في هوية من يطالب بإلغاء مهرجان «أم رقيبة» الذي اعتبره جزءا من الهوية الوطنية، حتى وإن كان له الحق في ذلك إلا أن هذا لا يبرر الإساءة لمن يختلف عنه. نحن في الواقع لا نستطيع أن نسمي من يحب الإبل متخلفا إذا كان الأمر مرتبطا بماضٍ يستحيل التنصل منه، ومن جهة أخرى، لا نستطيع أن ننعت من يرفضها بالتشكيك في أصله وفصله، بينما نجد أن التضاد الذي يحدث دلالة على ملل البعض من هذه المظاهر السائدة في حين لا يوجد لها بديل يتناسب مع الوقت الحاضر والاحتياجات المعاصرة. يمكن إسقاط هذه الحالة على العديد من الظواهر التي تفسر وجود إشكالية ملتصقة بهوية الفرد العربي بشكل عام والفرد السعودي بشكل خاص، وهي قضية «الأصالة والمعاصرة» والفجوة التي بينهما كقضية أساسية ومحورية في الفكر الاجتماعي وتقاس عليها مقوماته عامة وكذلك أساليبه ومظاهر حياته، وبالرغم من حدوث الكثير من المتغيرات وإنشاء المؤسسات التعليمية فضلا عن تنامي الكوادر الثقافية والإدارية، إلا أن المجتمع بقي محتفظا بداخل أبنيته بالكثير من سمات الحياة الاجتماعية السابقة كالقبلية والعشائرية وتربية الإبل والمواشي وغيرها، وحينما يشار إلى مجتمع ما بوصفه متخلفا وفق هذه الحالة، بحيث يأخذ المصطلح شكلا وصفيا للحالة أكثر من استخدامه كمسبة، فإن هذا يفسر مدى تأخر ذلك المجتمع عن الحياة المعاصرة بالشكل الذي يحوله إلى تابع للغير وليس منتجا أو مكتفيا بشيء يقدمه لنفسه. في الواقع، إن الكثير من الآراء السائدة التي تعمل ضد كل ما يطلبه واقعنا ويحتاج إليه اليوم حتى وإن سادت وتفاقمت شعبيتها إلا أنها لا تعتبر قيمة مضافة للمجتمع، حيث إنها ليست نابعة من الابتكار والتجدد والإبداع، إنما هي رمزيات للتعبير عن أفكار موجودة فعليا في الوجدان الاجتماعي وتعمل كمنشط لموروث أكل عليه الزمان وشرب ولم يعد يقدم للواقع أو يضفي عليه، وفي هذه الحالة سنفهم إجابات التساؤل عن أسباب تأخر المجتمع أو تبعيته للمجتمعات المتقدمة. الخلاصة؛ لن نتجرد من هويتنا حينما نكون اكثر ارتباطا بحاضرنا الذي نعيش فيه؛ حينما نعلم أنه لا يوجد هناك أصالة بلا معاصرة، ولا معاصرة بلا أصالة، حيث إن الحالتين في وضعهما الطبيعي تعبران عن التكامل وليس التضاد، وهذه هي الأسس والمقومات التي قامت عليها الحضارات الإنسانية، بينما سيظل بقاء الحضارة في أي مجتمع مرهونا بظهور المعارف الجديدة من خلالها، وكذلك فإن التقدم والتطور لا يمكن أن يكون مجرد محاكاة وتقليد لطرف آخر، لسبب بسيط وهو أن الله ميز الإنسان بالعقل والتفكير الذي يتوجب عليه استخدامه. [email protected]