يتفق روائيون ونقاد على أن الحج لم يوظف كثيمة روائية بما يليق بمكانة وقداسة وروحانية الشعائر. وتعدد الشخصيات وتراكمها في أيام معدودة في بقاع محددة. مؤملين أن تتاح فرص لاستدراك ما فات. علما بأن الحج حضر في بعض الأعمال بصورة مقتضبة. وكشف الروائي أحمد الدويحي أن الحج ورد في رواية عبد الكريم الخطيب (سوق الليل)، مضيفا أن بطل روايته مطوف متزوج مصرية، لافتا إلى أن الحج حضر بشكل تقليدي في نموذج لأحد شخوص روايته (المكتوب مرة أخرى)، موضحا أنه استحضره نموذجا للقروي الذي يذهب ليعمل في الحج أعمالا معتادة منها نقل الخيام والسقاية، مضيفا «لا أذكر أي نص روائي آخر تناول الحج لا محليا ولا عربيا بطبيعة الحال». فيما يؤكد الروائي عمرو العامري أن الحج لم يغب بالمطلق عن الأعمال الروائية خصوصا المبكرة ومنها رواية أمل شطا (غدا أنسى) وأحمد السباعي، لكنها بالطبع لم تحضر كحالة منفردة ولكن ضمن العوالم المكية التي تناولتها أعمال رجاء عالم ومحمود تراوري وكل الذين كتبوا الرواية من المجتمع المكي. كون مكة والحج لا ينفصلان، لافتا إلى أن الحج عمل ملحمي لم يكتب ربما للقدسية التي يتمتع بها وربما لأنه عابر وإن كان متكررا. وهذا دليل آخر على أن الرواية ما زالت مبتدئة لدينا وتائهة. الناقد الأكاديمي الدكتور حسين المناصرة قال: لا شك في أن الحج بشعائره المتنوعة، بما في ذلك العمرة، يعد أحد مكونات الرواية السعودية أولا، والرواية العربية ثانيا، وأضاف سبق أن تناولت في أحد أبحاثي عن مكةالمكرمة في الرواية السعودية في مرحلة الريادة، فوجدت الحج ركنا حاضرا في جل هذه الروايات. موضحا أن روايات رجاء عالم، وعبده خال، ومحمد المزيني، وصلاح القرشي، وأحمد الدويحي، وأميرة القحطاني، وعبد الله التعزي وغيرهم استحضرت الحج. كما استحضرها عربيا إبراهيم عبد المجيد، وكريم معتوق، وموسى ولد ابنو ومالك ابن نبي. لافتا إلى أنه لا يمكن أن يقاس حجمه كما ونوعا إلا من خلال دراسة مسحية شاملة للرواية السعودية من جهة كونها معنية إقليميا أكثر من غيرها في هذا الجانب، ثم دراسة الرواية العربية من جهة ثانية. مؤكدا أن الحج بنية سردية مهمة، بمحمولاته الثرة والموحية. ويؤكد الناقد خليل صويلح أن الحج حضر في روايته (وراق الحب)، مضيفا: تحدثت عن محطة الحجاز التي كان ينطلق منها الحجيج كما يتحدث البديري الحلاق في كتابه يوميات البديري عن محمل الحج بإسهاب. ويرى الروائي محمد الغتوري أن الرواية فن تعبير إنساني لا دين له ولا وطن، ووصف حالة إنسانية بعد تجربة شعورية حدثت بالفعل أو جزء منها عاشها الكاتب بخياله وإحساسه المرهف، فيكون التعبير بأي طريقة من طرق الكتابة الأدبية أو بطرق الفن الأخرى مثل الموسيقى أو الرسم أو النحت. وأضاف الغتوري ربما يرى البعض أن موضوع الحج يرد في كتب الدين إلا أنه يمكن أن نمتع القارئ بالأسلوب واللغة إذا ما تناولنا الرحلة الروحية سرديا خصوصا أن أكثر من مليون حاج يأتون من أقطار مختلفة بتجارب حياة ويوميات وحكايات وأساطير. فيما تذهب الناقدة الأكاديمية الدكتورة أسماء الأحمدي إلى أن الحج مناسبة مكتنزة بالأحداث الثرية والتجارب الفريدة والذِّكريات الجليلة ما يمثل مخزونا جيدا في استلهام ذلك مادة روائية متعددة الرؤى ومختلفة المشارب. وأضافت ربما فقدنا هذا الاستلهام برغم أن هناك إشارات متناثرة تطالعنا في بعض النصوص الروائية التي يكون التاريخ في فترة الخمسينات الستينات مادتها وكذلك بعض النصوص القصصية إذ كانت تنطلق من هم ذاتي وتحيك تجربة ملموسة.. قريبة. وعزت إلى انكفاء بعض الروائيين السعوديبن على أنفسهم واكتفائهم بذاتهم ولتواضع أدوات البعض الفنية إهمال تجربة الحج سرديا. وترى أن الكتابة عن شعيرة عظيمة تتطلب قدرة جيدة في الإمساك بتفاصيل المشهد وامتلاك فكر يمكنه اقتناص شذرات جمالية تكون امتدادا في بسط نفوذه وأدواته؛ لسبك نص روائي منطقته الذات المتطلعة لعقد شراكة دينية إنسانية مع الآخر.