لم يطأ الإنسان أرضا جديدة إلا اختلت بيئتها؛ فالإنسان بتركيبته الفطرية والفكرية كما يقول علماء البيئة عدو للبيئة، ولا يتصادق معها إلا إذا هذب هذه التركيبة العدائية. الدين الإسلامي الحنيف، كدين شامل كامل، جاء ليؤكد على حقوق البيئة ويهذب الفطرة الإنسانية لتحافظ عليها. فقد خلق الله سبحانه وتعالى الطبيعة ووضع سننها وأوجد توازنها البيئي الذاتي: «إنا كل شيء خلقناه بقدر»، على أجمل وأبدع صورة: «الذي أحسن كل شيء خلقه». ثم جعل الإنسان خليفة على الأرض وأمره أن يحافظ عليها: «ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها..». يفسر العلماء الآية: «وتعاونوا على البر والتقوى...» في المجال البيئي على أن الآية الكريمة تدعو إلى التعاون والإصلاح وتنهى عن العدوان على الطبيعة والبيئة. كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا. يعني: لمجرد تعلم الرماية أو اللهو. فالإنسان هو الوحيد الذي يقتل لأسباب متعددة غير إشباع الجوع؛ فكل الحيوانات لا تقتل إلا لتأكل وتشبع جوعها من أجل غريزة الحياة. تمتد التوجيهات الدينية لتصل إلى حدود النظافة وإماطة الأذى عن الطريق؛ وهو كما في الحديث المعروف، إماطة الأذى أدنى درجات الإيمان. وكما يقول عليه الصلاة والسلام: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود. قال الطيبي:.. ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار. بل إن التوجيهات تمتد أيضا لحدود المحافظة على البيئة السمعية: «..واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير». ممارسات البعض في إزالة المزارع وتحويلها إلى غابات أسمنتية، أو إلقاء المخلفات الكيميائية والبشرية والنفايات دون مراعاة للسلامة، حتى في أبسط صورها في تنظيف الفرد أمام منزله أو حيه أو مدينته.. كل ذلك مخالفة لروح الدين الذي يحث المسلم على أن يحافظ على البيئة لا أن يفسد فيها.. «والله لا يحب المفسدين». صرح سفير المملكة في التشيك العام الماضي بعد مظاهرات قام بها التشيكيون مطالبة العرب بمغادرة دولتهم: إن عدد المخالفات الكبير التي تسبب بها بعض الخليجيين العام الماضي 2014 استوجب تدخل بلدية المدينة مطالبة العرب بالمغادرة. وتدخلت الشرطة التشيكية لدفع السفارة لمتابعة الوقائع ومعاينتها لإصلاح ما أتلف على حساب «إحدى الدول الخليجية» التي كان لرعاياها النصيب الأكبر في هذه المخالفات. المدرسة والمسجد والمنزل عليهم دور كبير في غرس المحافظة على البيئة كمبدأ ديني، وتنمية الروح الجمالية والإحساس بالجمال وتذوقه. فرؤية مكامن الجمال في كل شيء سلوك حضاري يرتقي بالنفس البشرية وينعكس على السلوك الشخصي والفكر الإبداعي للفرد. وللمسلمين قدوة جمالية في هذا المجال في رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانت حياته في بيته ومجتمعه تتصف بالجمال في كل صوره؛ تذوقا وإبداعا. [email protected]