في السنوات العشر الأخيرة كانت للمملكة تجربة رائدة في فتح باب الابتعاث، وهذا ساهم بشكل كبير في زيادة الحاصلين على الشهادات الجامعية والدرجات العليا، لكن ليس جميع من أتيحت لهم هذه الفرصة استفادوا منها، فهناك من جعل الابتعاث فرصة سياحية تعرف فيها على معالم بلد دون أن يتعرف على لغتها، ومنهم من استقر وعاش فيها، ومن بينهم ذلك المشاكس الذي عاد للوطن على هيئة نموذج غربي يحمل هوية وطنية، عاد وفي صوته نبرة سخط وشكوى ولسان حاله «هنا وهناك»، عاد وهو يقارن دون أن يفارق، يتكلم دون أن يسمع، ينتقد دون أن يفكر، غريب حاله.. بالأمس كان معنا وأصبح اليوم غريبا عنا. عاد وكأنه يرتدي عدسة لاصقة تظهر له أسوأ ما في المجتمع، يتحدث معنا بالعربية التي لم يعد يتقنها وبكلماته الإنجليزية، وهو يعيش بذلك صراعا ومعاناة معنا في إيصال المعلومة وكأننا لا نفهم!. المشاكس نموذج لما يعرف ب«عقدة الخواجة»، وإذا نظرنا للموضوع من زاوية التحليل سنجد لكل بلد ما يميزه ويجعله مختلفا عن الآخر، والابتعاث ليس من حقوق المواطنة بل دليل على رفاهية الشعوب واكتساب النعم ولا يعني استحقاقها. المبتعث هو أن يكون أحسن وليس أسوأ، وليس هناك سبب يجعله الطفل المدلل. الابتعاث في نظري اتفاقية بين بلدين، يرسل الطرف الأول عقولا ويستورد علما وطاقات، ولم تنص الاتفاقية على أن يستورد نفوسا متعجرفة وألسنة ساخطة وألقابا اجتماعية تنتقد البلد الذي استثمر فيهم. الهدف الأساسي من الابتعاث أن يزيد علما وخبرة ويقوى إيمانا وخلقا ووطنية، وما فائدة الابتعاث إن لم يكن كذلك؟ عزيزي المشاكس قف على قدميك وشارك في بناء بلدك بعلمك وعملك، واترك عنك الجدل، فقط ابدأ وستصل للصورة الجميلة في عقلك، فشرف المحاولة يعني النجاح، وتذكر أن بناء الأوطان يبدأ ببناء الإنسان.