هذا الرقم هو طراز الإنتاج الأكثر مبيعاً لشركة بوينج... وهو يرمز أيضاً إلى أكثر الطائرات التجارية نجاحاً في العالم... حوالى ثلث أسطول الطيران التجاري العالمي اليوم هو من هذا الطراز... وقد باعت الشركة أكثر من ثلاثة عشر ألف 737 مما يجعلها الأكثر مبيعاً في العالم... وهي تنقل أكثر من ثلث البشر المسافرين جواً... وللعلم فجميع رموز طائرات البوينج تحتوي على الرقم سبعة في طرفيها 707 و717 و727 و737 و747 و757 و767 و777 و787... والاستثناء هو طائرة البوينج 720 التي كانت أول طائرة نفاثة في أسطول الخطوط السعودية في عقد الستينات الميلادية... وكانت عبارة عن بوينج 707 «بشاصيه» قصير... أي «غمارة» قصيرة للأداء الأعلى... ونعود لطائرتنا ال737 وأعتقد أنها أكبر سناً من معظم قراء هذا المقال، فقد بدأ إنتاجها في نهاية الستينات لخدمة الخطوط الداخلية القصيرة بسلامة، وسرعة، وفاعلية. ولم تحلم الشركة أن تستمر الطائرة في العطاء ليتم تطوير أربعة أجيال مختلفة عبر خمسة عقود زمنية. وقد حصلت على دعوة لزيارة مصنع البوينج أثناء زيارتي لغرب الولاياتالمتحدة حيث يتم تجميع أجزاء البوينج 737 في مدينة «رينتون» بالقرب من «سياتل» في ولاية واشنطن. وعند الوصول إلى المصنع شعرت أن المدينة بأكملها «بوينجية» إن صح التعبير... فالمصنع يحتوى على أكبر مبنى في المدينة، بل وكان يعتبر أكبر مباني العالم من حيث المحتوى... ومن أغرب المناظر هو دخول الأنابيب العملاقة الخضراء المجوفة عند وصولها محملة على قاطرات من منتصف الولاياتالمتحدة لتخرج من الجانب الآخر طائرات جديدة «نوفي» جاهزة للطيران، وشبه جاهزة للتسليم لعشرات الشركات من حول العالم... وبعض من أجزاء هذه الطائرة غريبة المنشأ... الذيل والأبواب من إنتاج الصين... والجنيح الخلفي من إنتاج اليابان... والدفة من إنتاج إيرلندا... والمثبت الخلفي من إنتاج كوريا... وأبواب العجلات شغل تايوان... ورافعات الجناح من إنتاج ماليزيا... وبعض المضخات الرئيسية من السويد... وأجزاء المحركات من فرنسا... وهكذا. وتنتج الشركة اليوم حوالى أربعين طائرة شهرياً... تخيل هذا العدد الهائل... وعدد القطع في كل طائرة يصل إلى حوالى ثلاثمائة وخمسين ألف قطعة، ويتم تربيطها بحوالى ستمائة ألف «برشام» و«قفل». وعملية تصنيع الطائرة معقدة، وصعبة، ودقيقة، ولا تتحمل الأخطاء في المنتج النهائي. يتم وضع الطائرات في محطات تقاس بالأيام... محطة اليوم الأول، ومحطة اليوم الثاني، ثم الثالث، وهكذا إلى اليوم الثامن وهو الأخير في المنظومة... وترى كل طائرة في مرحلة مختلفة في كل من تلك «الأيام». وأما الاختبارات فحدث ولا حرج فهي كثيرة ومن طرائفها فحص الضغط بداخل مقصورة الركاب. يتم «نفخ» المقصورة بالهواء ليصل الضغط بداخلها إلى ما يعادل مستوى الضغط على ارتفاع تسعين ألف قدم... وهو حوالى ضعف الضغط المتوقع الذي ممكن أن تتعرض له الطائرة واقعياً... ولكن للتأكد يتم النفخ العجيب. وعلى سيرة النفخ فهذه الطائرة تحتوي على كمية سباكة عجيبة لتحمل كميات الهواء الضرورية للتحكم في أنظمة الطائرة المختلفة. وبصراحة ذكرني موضوع تحمل النفخ بمدير إحدى الدوائر التي راجعتها فشعرت أنه سينفجر في أي لحظة وكأنه لا يطيق الجمهور... كأنه بوينج 737 منفوخة إلى أقصى حد... وأخيراً فمن طرائف صناعة هذه الطائرة أن طول الأسلاك بداخلها يعادل المسافة بين مكةالمكرمةوجدة. أمنية لعبت هذه الطائرة أكبر الأدوار في النقل الجوي في المملكة عبر ثلاثة عقود فمنذ السبعينات إلى التسعينات كانت المحرك الرئيس لحركة الطيران الداخلي الآمن الفعال في وطننا الغالي. أتمنى أن نتذكر دورها المهم... والأهم من ذلك دور الرجال المخلصين الذين كانوا وراء كل ذلك بتوفيق الله، وهو من وراء القصد.