لا يمكن أن يجفّ السائح في أبها، تبلله السماء بالمطر والألوان، يمضي مصحوباً بالموسيقى في مهرجان من المارّة الخارجين للتو من ضبابها. يهبط الغيم إلى أن يربت على كتف السائحين، ويربّي في نفوسهم البياض. يتكاتف شجر العرعر في تسيّج الأرواح العطرة بالفل والكادي وروائح الأرض المنتمية إلى بوصلة لا تشير إلى كل الجهات، وإنما تشير إلى جهة القلوب. تهفو نسائم المهرجانات المكتظة في ساحات المدينة إلى شرفات شواطئ غيمة تسترخي على صدر الجبل، وتفيض الطرقات بالفن التشكيلي في «قرية المفتاحة» لتلهمَ الورد تعددية «اللون»، وتتسلل الضحكات في الأرجاء كالرقصات الشعبية، فشجن «الهكبة» (فن اللعب الشهري)، يعانق أصالة «القزوعي»، ليتحدا في «مقمع» يشدو الأعالي، ويحاكي الضباب في انتشاره، على إيقاع تعرفه الأقدام، وتسلى عنه الشفاه. المظلاتُ تنغرسُ في الأعلى، فوق الرؤوس، توفّر للعابرين رفع أيديهم، لا تلهيهم عن محادثات حميمية في حديقة «أبو خيال»، تستعير من الشجر المغروس في جنبات الطريق فكرة الحنو الأبوي، إذ تجتهد (أي المظلات) في أن لا تشغل السائحين عن المطر والألوان والموسيقى وعرس «السوالف» وبهجة «المصيف».