ماذا لو كتب أحد المفكرين السعوديين مقالة يزعم فيها أنه التقى بحامل الوحي الملاك جبريل عليه السلام في مسجد أو مكان عام؟ هل كان الموضوع سيمر مرور الكرام أم ستضج الدنيا ويحال إجباريا إلى مستشفى الأمراض العقلية لتشخيص حالته قبل محاكمته بتهمة ادعاء النبوة ومنعه من تضليل ضعاف العقول؟ بالأمس أصدرت إمارة منطقة عسير بيانا عن تشكيل لجنة للتحاور مع إمام جامع ادعى أمام مئات المصلين أن جبريل عليه السلام حضر إلى جامعه وصلى خلفه مشيرة إلى أنه تم إفهامه أنه على خطأ وقد اقتنع بذلك، وانتهى الأمر عند هذا الحد.. والسؤال هنا هو «هل على رأس هذا الإمام ريشة تميزه عن أي مواطن آخر بحيث لا يحاسب قانونيا على فعلته التي ترقى لأن تكون ادعاء للنبوة في القرن الحادي والعشرين»؟! ثم كيف يترك صاحب هذا الزعم ليؤم الناس في أكبر جامع في مدينته ويلقي عليهم الخطب والدروس دون التأكد من قدراته العقلية وإخضاعه لجلسات طبية تكشف عن سبب الهلاوس السمعية أو البصرية التي مر بها؟ لا شك أن من وظائف القانون أن يحمي الناس من المحتالين والمضطربين عقليا، ويزيد الأمر أهمية إن كان متعلقا بدينهم وعقيدتهم، ولذلك فإن ادعاء التواصل مع ملاك الوحي بصريا أو سمعيا هو محاولة ارتقاء لمصاف الأنبياء، ويجب أن يحاسب فاعلها أما تشكيل لجان مناقشة (مع فنجان قهوة وتمر) فهذا إهمال لحق المجتمع وتغطية على جريمة علنية. علميا يوصف ادعاء النبوة أو المهدوية أو التواصل مع الملائكة في عصرنا الحالي بأنه من أعراض مرض «البارانويا» أو «جنون العظمة» وأحيانا يشخص على أنه عرض من أعراض «الفصام» إذ يعاني الفصاميون من جملة من الأوهام والضلالات تكون في العادة أوهاما (حسية) و (اعتقادية)، والمريض ب «البارانويا» بحسب المراجع «لا يستجيب للتأثر بالإقناع المنطقي لذا من المهم عدم إضاعة الوقت في مناقشات منطقية معه. وحتى في حال خضوعه للعلاج يجب على المعالج أن يكون حريصا في تعامله معه لأن المصاب بالبارانويا قد يكون مثقفا موسوعيا يجر المعالج إلى مواضيع متشعبة يجهلها ليثبت قصوره وبالتالي تزداد مشاعر العظمة وعمق المرض لديه». كان على الجهة المختصة في عسير بدلا من أن ترسل أشخاصا لمناقشة الإمام في مسألة صلاة جبريل خلفه أن ترسل لجنة طبية للوقوف على حالته وتشخيصها والبدء بعلاجه، وإن ثبت أنه ليس مريضا فيجب إحالة ملفه لهيئة التحقيق والادعاء العام لتحريك دعوى ادعاء نبوة ضده حماية للمجتمع من التضليل والاحتيال، وقبل ذلك كله إيقافه عن الإمامة والخطابة، فليس هناك معصوم بين الناس اليوم ولا يكفي كون المدعي إماما شهيرا لتغطية حادثة كهذه بلجنة ومناقشة وبيان صحفي.