ربما لم يدر بخلد القائمين على العمل الرمضاني (حارة الشيخ) أن كُتّابا بحجم محمد صادق ذياب، ومحمود تراوري، ورجاء عالم، تناولوا الحارة في منطقة الحجاز ووثقوا تفاصيل إنسان مفتتن ومكان فاتن وزمان مفتون بأهله ما جعل التاريخ بعبقه يعلق في ملابسهم وملامحهم وفنونهم وأسلوب كلامهم الهادئ اللطيف، بعيدا عن التعنيف إذ لم يكن العنف حجازيا، وحتى الخطائين من بشر ذلك العهد كانوا يتمتعون بكثير من الحياء، فيما النساء لهن دور أكبر من أن يكن تابعات لعمّة متكلفة وبقشة هملة. ربما لم يلتفت كاتب العمل لما وثقه رموز الحجاز عن حاراتهم، فتوقع أن الاستعانة بالمشافهة من بعض الرواة المعاصرين وتطعيمها ببعض الفانتازيا ستسهم في تقديم عمل يتجاوز باب الحارة، إلا أن العمل فاقد الهوية الحجازية بشهادة أهل الحجاز الذين ورثوا عاداته وتقاليده عن آبائهم وأجدادهم بالتواتر العملي. ويؤكد الروائي محمود تراوري أنه لم يتحمس لمشاهدة «حارة الشيخ» لجملة أسباب منها، التوجه العام للجهة المنتجة، ولقناعات في مجمل العاملين، الذين لا يختلفون في تقديره كثيرا عن الغوغائيين الذين شنوا حملة على العمل ولقناعات بأن الدراما قبل أن تكون أموالا هي رؤية وكوادر بشرية وتراكم معرفي تاريخي. ويرى أنه لو كان ثمّ رؤية واستيعابا عميقا لماهية الفن، لطرح المسلسل مثلا حالة السلام الاجتماعي التي عاشها الحجاز إلى ما قبل طفرة السبعينات التي شهدت التغيير، قبل أن تتحول القيم الدينية من ممارسات سلوكية إلى «شعارات» وملصقات إلكترونية. مشيرا إلى أن الدراما الحقيقية لا يصنعها هواة. الناقد الدكتور عائض القرني قال: «قرأنا الحجاز بكل تجلياته الجميلة في عيون أهله ووجوههم وبين سطور الكتب التي أظهرت معالم الحياة الحجازية (من قبل ومن بعد) ولا يزال للحجاز عبقه التاريخي والحضاري الذي لن يمحوه مسلسل كهذا». فيما وصف الشاعر المكي محمد سيدي العمل بمحض محاولة لم تتسم بالنضج الكافي، ولم تتحقق لها الشروط اللازمة لمقاربة الصناعة الدرامية بمتطلباتها الفكرية والفنية الراسخة. وأضاف «أن تفاصيل العمل تؤكد اجتهادات هواة لم يتمرس معظهم في شؤون الفن وشجونه الحقة، ولربما كانوا ضحايا ظرف ولحظة وسياق لا تشجع جميعا على اجتراح الرؤى الفنية المتجاوزة والقادرة على الإضافة والإثراء». ويرى الصحفي أحمد عزوز أن محمد صادق دياب -رحمه الله- كان سيغضب عندما يجد «الحارة الحجازية» التي عاش فيها ولها وكتب عنها وروى وتدثر في أعرق مقابرها بعد رحيله المر تحولت إلى غوغاء صوتية، و«جوش مزمار مصطنع» لا يجيده سوى حرافيش الخبوت والحواري والأحوشة ومن بعدها الاستراحات الذين نبتوا كالفطر بعد منتصف الثمانينات. الكاتب حبيب محمود يذهب إلى أن حارة الشيخ ليست أكثر من تقليد «باب الحارة» بسيناريو ممسوخ، وأحداث ساذجة، تبدو خليطا غبيا.