هذه المسابقة الكبرى حلم كبير لكل عاقل فجوائزها لا تقدر بثمن، فهي مسابقة ربانية، حوافزها سماوية كبيرة، مدتها خلال هذا الشهر الفضيل؛ ولذلك تتضاعف فيه الحسنات، وتكفر فيه السيئات، كما في الحديث أن رسول الله قال: (إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ). وقال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). وقال: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ). وقال: (وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ). وقال: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ، إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ). أليست هذه جوائز ثمينة، مشجعة ومرغبة؟! بل حتى أجواء المسابقة مهيئة للتنافس، خروج عن المألوف المعتاد؛ سواء في مواعيد الطعام والشراب، ومواعيد العمل والوظيفة، ومواعيد النوم واليقظة، حتى الأجواء روحانية مشجعة فنحن نقرأ القرآن ساعات، ونصلي الليل عشرات الركعات، ونبذل من الأموال آلاف الريالات، ويجتمع شمل الأسرة في اليوم مرات، وأصبحنا نحمل همَّ المسكين، وندعو كثيرا للمسلمين، بل حتى التنظيم والانضباط نمسك ونفطر جميعا بموعد منضبط دقيق؟! فرمضان تنقلب فيه الكثير من العادات، وتتغير الكثير من المفاهيم والتصورات، والبيئة من حولك إيجابية مشجعة، فجميع المسلمين من حولك صائمون، وكلّهم على الخير مقبلون، يتصدّقون، ويتنافسون. والسؤال: هل ستستثمر كلّ هذه الفرص للتنافس؟ فإن لم تكن الانطلاقة في رمضان فمتى؟ ففي الحديث: من أدرك رمضان فمات ولم يُغفَر له فأبعده الله... إن نفسا تعرض عليها التقوى كزاد ثلاثين يوما، ثم لا تتزوَّد من التقوى ولو بالقليل فهي نفس ضعيفة، عجبا لمن لم يعتق نفسه من النار! (وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ، وَذَلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ) لذلك قال: (وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ) ليس له عذر ولا حجة! فأي نفس عاقلة تُفوِّت كلَّ هذه الفرص؟! يا ثقيلة النوم أمَا يُنبهكِ القرآن؟ أما توقظكِ لذعة الجوع والحرمان؟ ألا تخافين؟ ألا تنزجرين؟ إن لم تُجبك نفسك فاستعن بالله عليها؛ فلا معين لك إلا الله، الجأ إليه، وانطرح بين يديه، وقل: يارب أشكو إليك نفسي التي يقول عنها يحيى بن معاذ: «من سعادة المرء أن يكون خصمه فهِما، وخصمي لا فهم له. قيل له: ومن خصمك؟ قال: خصمي نفسي لا فهم لها؛ تبيع الجنة بما فيها من النعيم المقيم، والخلود فيها، بشهوة ساعة في دار الدنيا». * أستاذ السنة النبوية بجامعة القصيم