من بعد 20 مترا من الكعبة المشرفة تضخ بئر زمزم 11 إلى 19 لترا من الماء في الثانية، ما يجعل تقديسه راسخا في أفئدة المسلمين، فإليه ترنو عاطفة المسلم وتحلم برشفة قد تجلب له شفاء وطمأنينة. قصة بئر زمزم التي حول مكةالمكرمة من صحراء قاحلة تضاد السكنى إلى أحد أهم البقع الجغرافية كثافة بالسكان، بدأت في قصة نبي الله إبراهيم وزوجته هاجر وابنه إسماعيل، وقد رويت القصة بإسناد دقيق عن طريق البخاري (أحد أهم الكتب الناقلة لأحاديث الرسول الأعظم محمد بن عبدالله وأكثرها موثوقية عند أغلب المسلمين). البئر التي تجاوز عمرها آلاف السنين ولا تزال تضخ بسخاء كبير على قاصدي بيت الله الحرام، شكلت علامة فارقة في سكان مكةالمكرمة الذين قدموا من جنوب الجزيرة العربية بعد انفجار الماء وسيلانه في الأرض القاحلة، فمهنة السقاية كانت شرفا تتسابق عليه أسر مكية عريقة. وفي عام 2010، أعلنت المملكة مشروعا ضخما لتنقية مياه زمزم آليا بقيمة بلغت 700 مليون ريال، وأنشئ المصنع على مقربة من المسجد الحرام ليكون أحد ملامح عناية القيادة السعودية بخدمة الحجيج والشعائر الدينية، وينتج مصنع الملك عبدالله لسقيا زمزم نحو 200 ألف عبوة (10 لترات) يوميا، وتزيد وتيرة العمل في المصنع في أوقات المواسم كرمضان والحج. ويؤكد رئيس المساحة الجيولوجية السعودية الدكتور زهير نواب ل«عكاظ» أن ديمومة مياه زمزم وتوفيرها لمكةالمكرمة والمدينة المنورة ودراستها المستمرة من ضمن المسؤوليات التي تقع على عاتق هيئته التي تعتبر الجهة العلمية المعنية بعلوم الأرض، مشيرا إلى أن الهيئة أنشأت مركزا بحثيا متخصصا في مياه زمزم بموجب أمر ملكي لضمان العناية بماء زمزم من ناحية الجودة والكمية، «ونتيجة لذلك فقد اعتمد المركز سلسلة من المشاريع الاستقصائية للتعرف على مصادر مياه زمزم وتحديد نوعيتها ومراقبة جودتها وتزويد المعلومات الضرورية لإدارة مياه زمزم والمحافظة على توفيرها لمواجهة الطلب المتزايد من قبل السكان والمعتمرين والحجاج». ويرجح نواب الرواية التاريخية التي تقول إن بئر زمزم تستخدم منذ أكثر من أربعة آلاف عام، مستدركا «ماعدا بضعة فترات من الزمن عندما جفت البئر أو طمرت تحت الرمال». ويرى نواب أن البئر ترمز إلى موقع نبع تدفق تصاعديا بشكل إعجازي من واد قاحل ومقفر، مكونا مجرى غير دائم، في المكان الذي ترك النبي إبراهيم عليه السلام -بأمر من الله عز وجل- زوجته هاجر وابنهما الصغير إسماعيل عليه السلام، مرجعا سبب التسمية إلى زوجة نبي الله إبراهيم ووالدة إسماعيل هاجر عليهم السلام، «عندما ظهر النبع، قامت هاجر مخافة أن يتسرب الماء بتطويقه بالرمل والحجارة وهي تقول زُمْ، زُمْ أي توقف وهو أمر كررته هاجر أثناء محاولتها احتواء ماء النبع، ومن هنا نشأ اسم زمزم الذي تحول في ما بعد إلى بئر، وأصبح مكان استراحة للقوافل، ونما ليصبح المكان في النهاية مدينة مكةالمكرمة التجارية ومسقط رأس النبي محمد عليه الصلاة والسلام». ويوضح نواب أن البئر تقع داخل المسجد الحرام وتبعد نحو 20 مترا إلى الشرق من الكعبة المشرفة، لافتا إلى أن المسلمين يحرصون على شرب ماء زمزم أثناء زيارتهم لمكةالمكرمة وحمله معهم عند عودتهم لأوطانهم.