منذ بلغت وأدركت وأنا أسمع من هذا الشيخ أن الموسيقى حلال ومن ذاك الشيخ أنها حرام. ومن المشايخ في مصر وفي غيرها من الدول العربية من أجاز الطرب (المحترم) بمجمله ومنهم من حرمه أيضا بمجمله. وفي تحليل مستفيض للشيخ الشعراوي، رحمه الله، أن ما أثار غرائز الناس، حتى لو كان نصاً مجرداً بدون غناء، فهو حرام لأن القصد أو الأصل في التحريم هو تهييج الغرائز وليس العزف أو الغناء. يعني هذا أن الأغاني الوطنية وأناشيد وموسيقى الأفراح والأتراح وكل ما لا يثير الغرائز فيه قولان عند العلماء القدامى والمعاصرين. وعلى هذا الأساس يمكن أن يؤخذ رأي الشيخ صالح المغامسي الذي قال، باعتبار ذلك رأياً فقهياً، إنه لا يجد في نفسه جرأة على تحريم الموسيقى التي تعزف للسلام الملكي أو الوطني أو الأميري وكذلك ما يظهر من موسيقى في فواصل الأخبار والبرامج وما إلى ذلك. الرجل كان واضحا ومحددا وحريصا على ألا يفهم خطأً مما قد يجر البعض إلى الإساءة إليه أو تسفيه رأيه الفقهي الذي لم يبتدر إليه، مع أنني أفترض أن يفعل ذلك، بل كان إجابة على سؤال ورد إليه. ومن باب الأمانة أن يقدم فتواه بناء على ما استقرت إليه نفسه واجتهاده. وهذه سابقة تسجل للشيخ المغامسي إذ ربما هناك كثيرون لديهم آراء فقهية مختلفة لكنهم يحجبونها خشية (الفزعة المضادة) لآرائهم التي قد تصل إلى حد تجهيلهم وإقصائهم. أي أنهم يتقون الهجوم المحتمل بالصمت أو الهروب إلى إجابات مفرغة من الدلالات الواضحة القاطعة. وقد وقع، أحيانا، ما هو أكبر من ذلك حين أبدى البعض آراء فقهية مختلفة تجاه بعض المسائل ثم تراجعوا بسرعة عنها بعد أن تعرضوا لهجوم كاسح، كونهم تحدثوا ضد ما استقر عليه الناس من آراء بعض المشايخ أو تحدثوا بما يمكن اعتباره ضد ما أصبح بمثابة عرف اجتماعي راسخ لا يقبل النقاش. وعليه ربما حان الوقت، بعد جدل الموسيقى الأخير، لتخرج كل الاختلافات الفقهية إلى النور لتتم مناقشتها ويتم تداولها بهدوء بين الفقهاء بعيدا عن التشنجات والتصنيفات والإلغاءات لأن قصد الجميع، ولا أستثني منهم أحدا، هو الصالح العام. وما دام هذا هو القصد فليكن لكل فقيه رأيه طالما أن المسألة محل التداول قابلة للاجتهاد والاختلاف.