كان لأحد القرويين ولدان، أحدهما غلبت عليه الدروشة إلا أنه صادق النوايا. فيما الآخر نزعه عرق خؤولة فتلبسه الطموح القاتل. لطالما ردد عليهما الأب وصاياه ومنها «الواحد يلمح عند أرجوله. اللي يلمح فوق يطيح وتنكسر رقبته»، كانت الوصايا محل اعتبار الكبير وتقديره، بينما الصغير متذمر «الله يا هب لك في العثري يا شيبة، الناس وصلت سطح القمر، وأنت أفتنتانا ألمحوا عند أرجولكم حتى تقوست ظهورنا، وأدمنت عيوننا رصد الأقدام والأحذية». اشتهرت الأسرة بكثرة الحلال، لها سارحة غنم تحلب منها، وتجلب وتكرم لحى الضيفان بالدسم. البنات يسرحن بالبهم قرب القرية، ولا يغبن عن ناظر الأم التي تحتاجهن في تنظيف الساحة وتشميس الفراش، والعناية بالصغار من العيال، وتغميز أرجل الجدة، وكنس مراح الغنم. سرح الأخوان بالغنم، الكبير الصداق يتابعها ويرددها ويمشي أمامها، وعند اشتداد شمس الظهيرة يوردها لتشرب، والصغير الحيّال منسدح تحت سدرة، كلما غفل أخوه شتف له من قرص الذرة ولقمها وخيالاته تسبح في فضاء الطموحات. يحلم أن يصبح معاونا لسائق الشاحنة، إذ أنها المهنة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن يرتاح من المسراح والمراح مع البهائم. مع اقتراب مغرب أحد الأيام الشاتية ترقب سائق الشاحنة، وعلم أنه عازم على السفر. ترك أخاه في المرعى وتعلق في المؤخرة ولم يشعر السائق به إلا في أول محطة له. توقف وأنزل مواعينه ليعد العشاء وإذا به ينزل عليه. فزع منه وقال: «من أنت يا شيطان؟»، أجابه: «عند الله ثم عندك، خذني معك معاون، تعبت من الشقا يا عم»، قبله على مضض، وبدأ تدريبه على المهمة انطلاقا من تشغيل الشاحنة ومسح الزجاج وعد الركاب وتفقد الحمولة وتلقي الصفعات أحيانا. خرج من تكليف العائلة البسيط إلى ما هو أشد كلفة، واللي ما يربونه أهله يربونه الجماعة. وسط سائقي الشاحنات تنامت طموحاته، وتعلق بفكرة امتلاك شاحنة، واستولى عليه وهم الثراء، ومرت الأيام وهو يمخض ويزبد في متاهة. تكالبت عليه الديون، وغدا مطاردا من الغرماء. عاد إلى القرية وإذا بأخيه ينعم في ستر وخير، وهو يد فاضية ويد ما فيها شيء. تمثلت له وصية أبيه «ألمح عند أرجولك»، لكن بعد فوات الأوان. علمي وسلامتكم.