جلست في مكاني المفضل بجانب جناح البوينج 777 في رحلتنا الطويلة من جدة إلى واشنطن... سنقطع بمشيئة الله في هذه الرحلة مسافة حوالى عشرة آلاف وستمائة كيلومتر... حوالى ربع لفة حول الكرة الأرضية، وسنستهلك حوالى مائة وأربعين ألف كيلوجرام من الوقود... يعني حوالى مائة وسبعين ألف لتر... ما يفوق محتوى نصف مليون علبة «فيمتو»... فضلا لاحظ أن التوفير في 1% فقط في استخدام الوقود سيترجم إلى كمية هائلة.... حوالى ألف وأربع مائة كيلوجرام وهنا تظهر أهمية خصائص الزحلقة.... والمقصود بهذه الكلمة هو مقاومة الاحتكاك بأشكاله وألوانه المختلفة... وبالنسبة لرحلتنا اليوم نود أن نتفادى المؤثرات السلبية للاحتكاك بالهواء لأنها تقاوم حركة الطائرة في السماء وتزيد من استخدام الوقود، ولذا فالزحلقة مطلوبة ضمن خصائص تصميم طائرتنا. وأحد الجهود الأساسية في التصميم سواء كان لأجنحة الطائرة أو مقصورة الركاب، أو الأسطح المختلفة هي التأكيد على «مداعبة» الهواء بدلا من مقاومته، والتناغم مع حركته بدلا من الصراع معه. وفي الواقع فمعظم الأجسام الطائرة بداخل الغلاف الجوي الأرضي تسعى إلى التمتع بأقصى درجات الزحلقة أثناء حركتها في الهواء. وسبحان الله أن الأجسام الصغيرة تواجه تحديات أكبر مما هو الحال للأجسام الكبيرة في مقاومة الهواء. يعني أثناء طيران الناموسة تشعر بالهواء وكأنها سابحة بداخل «دبيازه» باردة... يعني مقاومة رهيبة للحركة... وأما طائرتنا البوينج فتشعر وكأن الهواء حولها هو «شيرة» خفيفة، ولذا فتحتاج ال777 وغيرها من الطائرات الكبيرة قوة هائلة أكبر مما هو الحال لطيران الحشرات... وكل مقارنة بحجمه كما يسر له الله عز وجل. جدير بالذكر أيضا أن مقدار المقاومة يزيد بطريقة هائلة فعندما تتضاعف السرعة ترتفع المقاومة بمقدار ثمانية أمثال. ولكن أهمية هذا الموضوع لا تكمن في عالم الطيران فحسب، فموضوع مقاومة الحركة يمثل مشكلة كونية نحاول التغلب عليها بشتى الطرق، ولذا فتصرف آلاف الملايين على مقاومة آثارها السلبية يوميا... فكر في عدد المرات التي تغير زيت محرك سيارتك للحصول على منافع الزحلقة، وتأمل في عدد المرات التي قمت فيها بتكييف الضغط بداخل إطارات سيارتك، وفي تنظيف «فلاتر» مكيفات منزلك وغيرها من ملايين التطبيقات الميكانيكية لتأمين مستويات من الزحلقة تضمن سلاسة عمل الأجهزة والمحركات.... ولكن هناك ما هو أهم من كل هذا... فكر في عدد من يشتكي من آلام المفاصل والعظام وأحد أهم أسبابها انعدام خصائص الزحلقة... وفي كل مرة نتنفس فيها بمشيئة الله تتكون بعض الجيوب الهوائية على أطراف القصبة الهوائية والرئتين وتشكل تيارات بمشيئة الله تؤثر على كمية الأوكسجين الذي سيصل بمشيئة الله إلى مساراته للدخول في الدورة الدموية وكلما كانت زحلقة الهواء الداخل أقل، كان أفضل لصحتنا. وحتى بداخل الدورة الدموية ستجد الزحلقة مهمة للتأكد أن الأوكسجين سيصل بلطف الله إلى كافة الخلايا بيسر. ولكن للأسف أن لهذا الموضوع جوانبه الداكنة ومنها تعاملات البشر، فكم مرة تعرضت للزحلقة خلال هذا العام؟ تجد من يستبعدك شخصيا، أو يستبعد أعمالك، أو حقوقك، أو فكرك، أو مصالحك بسلاسة عجيبة، وبالتالي فهو يمارس الزحلقة من النوع الفاخر... وأشطر أنواع الزحلقة هي تلك التي يتخصص من يتقنها في عدم إظهار معالمها أو آثارها إلى فوات الأوان. أمنية أخطر مستويات الزحلقة هي التي تتعرض لها بلدان بأكملها لتصبح في أوضاع مزرية ولتعاني من تدهور في أوضاعها بطرق لا تعلم عواقبها إلى أن تصل إلى مراحل يصعب إنقاذها... والمشكلة أن معظمها لا تعلم أنها تتعرض لهذه الممارسات، والمشكلة الأكبر أن بعضها لا تدرك أنها تتزحلق... والله يلطف بأوضاعها وهو من وراء القصد.