بعد انقضاء ثلاثة أسابيع على الإعلان عن رؤية المملكة 2030، يترقّب السعوديون (تفاصيل) برنامج التحوُّل الوطني في الأسابيع القادمة، وبين إعلان الرؤية وترقّب البرامج، يبقى السؤال الأبرز الذي ينتظر السعوديون الإجابة عليه هو عن كيفية التنفيذ؟، لأنه حتى مع توفُّر الرؤية المتميزة، والرغبة الصادقة، والصورة المتفائلة، تظل هناك حاجة ماسّة لمعرفة الخطط والآليات الكفيلة بتحقيق رؤيتنا المستقبلية وبرامجها الطموحة. أقول ذلك اليوم لأن الكثير من الأهداف الاستراتيجية لخططنا الخمسية التي عادة ما صاحبها ضجيج عالٍ، لم يرافقها (الطحن) المطلوب!، وفي تقديري فإنه لو كانت غالبية أجهزتنا المعنية نفّذت 40% فقط من أهداف تلك الخطط، لكان ذلك كفيلاً بتحقيق العديد من الأهداف الرئيسية لرؤيتنا الجديدة؛ منذ سنوات. وقد يقول قائل بأن إجابة السؤال أعلاه تكمن في حزمة الأوامر الملكية الأخيرة؛ الأوسع والأهم من نوعها منذ تأسيس البلاد، ورغم أهمية توقيتها، ودلالات مضامينها، وشموليتها الواسعة، فإنها لا تختص بالتنفيذ المباشر بقدر ما تهيئ (البيت) من الداخل، وتُعيد توزيع اختصاصات بعض الأجهزة الحكومية، تمهيداً لانتقال المملكة من حقبة إلى أخرى، لذلك فإن من أهم ما نحتاجه الآن أكثر من أي وقت مضى هو رؤية إضافية، وأقصد بذلك رؤية مُكمِّلة؛ توضِّح وتضمن آليات تنفيذ تتسم بالكفاءة، وهذا بدوره يتطلب خططا زمنية محدّدة المدة لكل هدف من أهداف الرؤية الأساسية، ولعل الأفضل، تقسيم تلك الأهداف الرئيسية إلى أخرى مرحلية، مع تحديد المهام والجهات والأشخاص الذين سيناط بهم مسؤولية تنفيذ الرؤية؛ في كل قطاع ووزارة وهيئة عامة. كما سيساعدنا كثيراً في تنفيذ رؤيتنا، إعادة النظر في صلاحيات وآليات عمل مجلس الشورى؛ خصوصاً ما يتعلّق منها بمساءلة الوزراء، والإشراف على إعداد الميزانية، ومراجعة الحساب الختامي، ومما سيزيد من فعالية الرؤية (التنفيذية) المطلوبة، إلزام الوزارات والهيئات المستقلة بنشر تقارير فصلية؛ توضح مستوى إنجاز المهام الموكلة إليها؛ أولاً بأول، مع الإفصاح عن العوائق التي قد تعترض تنفيذ تلك الخطط، إضافة لبيان الإمكانات والموارد المطلوبة، أما في حالة إخفاق أي جهة أو مسؤول في الالتزام بما يتعين تنفيذه؛ بعد توافر كافة المتطلبات، فإن المحاسبة الجادة والسريعة، هي إحدى الضمانات الأقوى للإبقاء على قوة الدفع اللازمة لتنفيذ رؤيتنا الجديدة. من جانب آخر، نعلم أن هناك معايير لقياس الأداء، بقدر علمنا بوجود (داش بورد) لتقييم عمل الوزراء وكبار التنفيذيين، إلّا أننا نجهل ماهيّة تلك المعايير؟، وتوقيت تطبيقها؟، وما إذا كنا كمواطنين سنعرف نتيجة تقييم كل جهاز؟، وهل ثمّة دعم أكبر أو صلاحيات أوسع للمؤسسات الرقابية المتعددة التي كانت حتى فترة قريبة تقوم بدورها بشكل محدود؟؛ وهو ما أدّى لإفلات البعض من المساءلة، لأننا لا نريد تكرار أخطاء الماضي، حينما كنا نتأخّر في الكشف عن أسباب الإخفاقات؛ أو نتردّد في نشر أسماء المسؤولين عنها، كما كنّا نميل لمجاملة بعض المقصرين في حق الوطن، ونكتفي بإبعادهم عن مواقع المسؤولية؛ حتى بعد أن يتضح حجم الهدر أو سلبيات التراخي، وأحياناً شبهات الفساد. نعم نحن متفائلون برؤيتنا الجديدة، وفخورون بالقائمين عليها، ومقدرون للروح الجديدة التي لا تخطئها عين مراقب والتي بدأت تدب في أوصال الأداء الحكومي، ولكننا في ذات الوقت مشغولون بالمستقبل، صحيح أن الأوامر الملكية الكريمة الأخيرة عزّزت في أنفسنا الأمل، وأعطتنا مؤشرات قوية على عزم ولاة أمرنا على التغيير المصحوب بالتطوير، وهو ما يعكسه حجم التغييرات ومساحتها؛ سواء على هيكلة بعض المؤسسات أو استبدال بعض شاغلي المواقع العليا، ولكننا نتطلع للمزيد من المكاشفة والشفافية، حتى تستنير عقولنا وتطمئن قلوبنا، ونتأكد بأننا سنبقى على الطريق المرسوم؛ دون أن نحيد عنه. وربما هذا هو التوقيت المناسب لكي نستكمل منظومة الإصلاح الاقتصادي بإعادة النظر في بعض الجوانب المرتبطة به والتي تحتاج للتطوير ومنها: 1- تطوير طريقة إعداد الميزانية على نحو يزيد من كفاءة الإنفاق، ويراعي توازن التنمية لكافة المناطق، وقد يساعدنا في ذلك، تحويلها من ميزانية قطاعات وبنود إلى ميزانية برامج وأهداف. 2- التوسُّع في تمويل المشاريع عن طريق الصكوك، لأن من شأن ذلك تخفيف بعض العبء المالي عن الميزانية، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتقليل مخاطر بعض الأدوات الأخرى للتمويل وسد العجز كالسندات، لاسيما أن الصكوك يتم دعمها بمشاريع تُدِر عوائد، مع قابليتها للتداول. 3- الإعلان دورياً عن عدد الوظائف المستحدثة للجنسين، ونسبة الزيادة المُتحقِّقة على الدخل غير النفطي، وكمية البترول الموجّهة للتصدير وتلك المستهلكة محليا، وحجم الاستثمارات القطاعية الجديدة، والتغيير في إيرادات القائم منها، ومقدار العوائد المحققة من إجراءات هيكلة الدعم، وربما يلزمنا أيضاً إطلاق (مؤشر وطني للتفاؤل بالأعمال)، مع أهمية بيان تأثير كل ذلك على نسبة التضخم، والميزان التجاري، والناتج الإجمالي المحلّي، ومعدل دخل الفرد، وغير ذلك من المؤشرات الاقتصادية والمالية. 4- توضيح آلية دعم ذوي الدخل المحدود والمتوسط، وكيفية توزيعه، بعد وضع تعريف جديد ودقيق؛ مبني على مسوحات علمية شاملة لمستويات الدخل، وخط الفقر، وحد الكفاية. والأكيد هو أننا نثق في قيادتنا الحكيمة، ونعوّل على مواردنا وقدراتنا الذاتية، ونعرف تحدياتنا وأولوياتنا، ونطمئن إلى وجود كفاءات وطنية متميزة في شتى المجالات، كما ندرك تأثير العوامل الاقتصادية، والأوضاع العسكرية، والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية من حولنا، ولا نشك أن هناك مستقبلاً أفضل في انتظارنا، كل ذلك يسلتزم منا؛ كلٌ حسب موقعه وإمكاناته، الإسهام بأفضل ما لديه لإنجاح توجّهنا الجديد، فقط نحتاج أن نعرف أكثر. [email protected]