في الوقت الذي يترقب فية المواطن السعودي بشائر صدور ميزانية السنة المالية 2013 خلال ساعات بقدر كبير من التفاؤل بالمستقبل، والثقة في قدرة قيادتنا الرشيدة على تطويع أرقام الميزانية من أجل إقرار وتنفيذ المزيد من المشروعات التنموية الهادفة إلى خير ورفاه المواطنين، يترقب الرأي العام في الولاياتالمتحدةالأمريكية بقلق ملحوظ نتائج المباحثات المفصلية التي تدور حاليا بين المشرعين الأمريكيين حول كيفية إعادة التوازن للميزانية الاتحادية من أجل تجاوز هذه الأزمة المالية بعد أربع سنوات وصل فيها العجز الموازني إلى تريليون دولار. بين الركود والنمو وعلى ضوء استمرار الخلاف بين القادة السياسيين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي حول أفضل البدائل لتجنب الدخول فيما بات يعرف أمريكيا بالهاوية المالية ، اضطر الرئيس باراك أوباما إلى قطع إجازته وعاد من هاواي إلى العاصمة واشنطن ليجتمع مع قيادات الحزبين من أجل التوصل إلى أفضل الصيغ الممكنة لإعادة التوازن للميزانية الاتحادية قبل مطلع العام الجديد وإلا فإن الاقتصاد الأمريكي مهدد بالدخول في مرحلة ركود وانكماش من شأنة إيقاف النمو الطفيف الذي بدأت بوادره تلوح في الأفق الاقتصادي مؤخرا في الولاياتالمتحدة كما سيترتب على ذلك نتائج وخيمة على عرض الوظائف، ومستوى الخدمات الأساسية هذا فضلا عن تأثر صورة الولاياتالمتحدة كدولة عظمى تقود العالم الحر دوليا. فائض وعجز وبالطبع فإنني لا أستهدف بمقالي هذا تزكية اقتصادنا الوطني الذي ندرك جميعا مقوماته ومكامن قوته وجوانب الخلل فيه والتي تعمل مختلف مؤسسات الدولة على معالجتها بتوجيه ومتابعة خادم الحرمين الشريفين يحفظة الله ، كما أنني على الجانب الآخر لا أقصد بهذا المقال التقليل من شأن اقتصاد دولي ضخم بحجم ومكانة الاقتصاد الأمريكي، ولكنها المفارقة التي تجعلنا في الوقت الذي نترقب فية الإعلان عن أرقام ميزانيتنا ونجتهد في تخمين حجم الفائض الكبير المتوقع الذي قد يتراوح بين 375 إلى 450 مليار ريال ومقدار الإنفاق الذي قد يتجاوز ال 750 مليار ريال ، فإن المجتمع الأمريكي منشغل بمقدار العجز في الميزانية الاتحادية ومنقسم حول كيفية تمويل ذلك العجز. ضرائب أم استقطاعات ويعود سبب الخلاف الدائر في كواليس المشهد السياسي الأمريكي بشأن الميزانية إلى اختلاف رؤية كل من الحزبين على كيفية التعامل مع الأزمة حيث يرى الديموقراطيون أن الخروج من مأزق عجز الموازنة لا بد وأن يمر عبر بوابة فرض ضرائب على كل أمريكي يتجاوز دخلة 250 ألف دولار سنويا ؛ هذا التصور يعني تجيير الحل إلى الأغنياء لصالح الطبقتين المتوسطة والفقيرة في حين يرفض الجمهوريون تماما التصور السابق حيث يرون فيه تمييزا ضد الأغنياء ويطرحون في المقابل حلا يرتكز على مبدأ تخفيض الإنفاق من خلال إجراء استقطاعات واسعة تبلغ نحو 100 مليار دولار وتشمل مخصصات الدفاع والتعليم والخدمات الاجتماعية ، ولعل من المفارقة هنا هو أن المبلغ المقترح للاستقطاع المقترح لسد عجز الموازنة الأمريكية يقترب من الرقم المتوقع لفائض الميزانية السعودية !. تحديات مختلفة وهكذا نجد أن القضية التي تستأثر هذه الأيام بالنصيب الأكبر من اهتمام المواطنيين والقادة السياسيين، ومختلف وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية تدور حول آليات التعامل مع استمرار عجز الموازنة وكيفية تجنب الانزلاق للهاوية المالية بدون إجراءات مالية مؤلمة كفرض ضرائب متفاوتة على حوالى 80 في المئة من الأمريكيين، تنشغل فئات عديدة في مجتمعنا باهتمامات مغايرة تماما تتعلق بأفضل سبل استثمار الفوائض المالية المتراكمة خلال السنوات القليلة الماضية، وكيفية تجاوز التحديات الوطنية الرئيسية كخلق وظائف لأبنائنا وبناتنا ، وتوفير السكن المناسب للمواطنين، والارتقاء بجودة الخدمات الصحية وزيادة مرافقها ، وتطوير التعليم، وتعزيز توليد وترشيد الطاقة، وتنويع مصادر الدخل ، وتحجيم الفساد ودعم النزاهة، ونشر شبكة مواصلات تتسم بالكفاءة داخل المدن وبين المناطق. آفاق وحلول ختاما لا أعتقد أن الخلاف الأمريكي المحتدم حاليا حول الميزانية سوف يستمر طويلا، بل من المتوقع أن تتوصل الأطراف السياسية خلال الأيام القليلة المقبلة إلى تصور وسطي يجمع بين رؤية الديموقراطيين التي تميل لصالح الفئات الاجتماعية الأكثر حاجة للدعم وبين مقاربة الجمهوريين التي تتجنب التأثير على الرأسماليين وأصحاب الأعمال دون الطبقات المتوسطة والفقيرة، وبذلك سوف تنفرج الأزمة إلى حين ويتم تجنب الهاوية المالية التي إن حدثت سيكون من أبرز مؤشراتها بالإضافة إلى دخول مرحلة الركود هو تخفيض التصنيف الائتماني والمالي للولايات المتحدة من قبل وكالات التصنيف المصرفية الدولية، والتأثير السلبي البالغ الضرر على سمعة الولاياتالمتحدةالأمريكية. أما على الصعيد السعودي فإن ثمة تفاؤلا كبيرا بحجم وطننا الغالي بأن توفق كافة أجهزتنا الحكومية في التعامل بكفاءة وفاعلية مع تحدياتنا الوطنية، وأن تنجح في ترجمة رؤية مليكنا الغالي بمستوى رفاه أفضل للمواطنين عبر توظيف أكفأ لكافة بنود الميزانية المرتقبة. تويتر:@gbadkook