زار الرئيس الأمريكي باراك أوباما المملكة الأسبوع الماضي، والتقى في الرياض بزعماء دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. تأتي زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة في مرحلة حرجة تمر بها العلاقات بين البلدين، زاد من حدتها تبادل خطابات دبلوماسية وإعلامية، فيها الكثير من التصعيد، غير التقليدي. لأول مرة، في تاريخ العلاقات بين البلدين، تلوح في الأفق بوادر توتر في العلاقة، تعيد إلى الأذهان الموقف عشية حرب رمضان 1973، عندما لوحت المملكة، بل استخدمت سلاح النفط، نصرة لقضية الأمن القومي العربي. اليوم: عشية زيارة الرئيس أوباما للرياض، تلوح المملكة بورقة أرصدتها السيادية المالية في الولاياتالمتحدة... هذه المرة ذودا عن الأمن القومي للمملكة، ذاتها. لم تعتد الولاياتالمتحدة، مثل هذا الخطاب الواضح الصريح، من خصم لها... دعك من صديق مثل المملكة العربية السعودية، فواشنطن عادة من يهدد، بل يستخدم العقوبات الاقتصادية! خطاب صارم وحازم من الدبلوماسية السعودية، يتحدى كل تصور تقليدي للعلاقات بين البلدين، الذي كان يفترض خطأ أن العلاقات بين المملكة والولاياتالمتحدة تحكمها متغيرات غير متكافئة، وبالتبعية: علاقات تفتقر إلى انعدام إمكانية توفر أي شكل من أشكال، لا نقول: الندية، بل الفعل ورد الفعل المتبادل، مع الأخذ بعين الاعتبار معايير ميزان القوى بين الطرفين، الذي لا يمكن تجاهله، وتستقيم علاقة احترام متبادل تقوم على مصالح مشتركة قابلة للتطور والاستمرار. مهما بلغت درجة التوتر في العلاقات بين الرياضوواشنطن، إلا أنه ليس من خيار لهما إلا التمسك بعلاقات الصداقة التاريخية الحيوية بينهما. في أي تصور خارج إطار علاقة الصداقة الخاصة هذه بين البلدين، كلا الطرفين يخسر. في عالم اليوم تتوارى معايير ميزان القوى التقليدية، التي عادة ما تحكم علاقات القوى الكبرى بالدول الأخرى، لتقترب إلى شكل من علاقات الاعتماد المتبادل، الذي يقوم على أسس مصلحية موضوعية، بعيدا عن أي شكل من أشكالِ القيم الأيديولوجية الجامدة.. أو التحيزات الثقافية والقيمية المتباينة، كما كان الحال في عهد الحرب الباردة، على سبيل المثال. صحيح أن العلاقات السعودية ابتعدت عن مسارها التقليدي، في الفترة الأخيرة، نتيجة لتقديرات مؤسسات صناعة السياسة الخارجية في البلدين، إلا أنه تظل دائما هناك مصلحة مشتركة في الإبقاء على علاقة الصداقة التاريخية الحيوية بينهما والعمل على تطويرها.. وإزالة ما يعترض مسارها من عقبات وصعاب. واشنطن، على سبيل المثال: قد تقٓدّر -في لحظة تاريخية معينة- أن مصلحتها تخفيف حالة الاحتقان في علاقتها مع إيران، التي استمرت لثلاثة عقود ونصف بزوال نظام حليفها الأول في المنطقة بعد إسرائيل (الشاه). وقد تختار واشنطن أن تحدّث تغييرات، على خريطة سياستها الخارجية، تطال إعادة ترتيب مناطق الاهتمام الحيوي لمصالحها وأمنها القومي، كأن تركز على منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، كما هو «مبدأ» أوباما الاستراتيجي اليوم، إلا أن أية إدارة أمريكية لا تقوى على تجاهل مصالحها الحيوية ومتطلبات أمنها القومي، في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات منطقة الخليج العربي، وعلى وجه الخصوص معنا. في المقابل: لم تعد المملكة تعول، بصورة كبيرة على الولاياتالمتحدة، لدعم مصالحها الإقليمية وخدمة أمنها القومي، كما كان يحدث في الماضي، بداية ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، على وجه الخصوص، عندما اشتعلت حربا الخليج الأولى والثانية. في الوقت الحاضر: المملكة، في ما يخص خدمة قضايا أمنها الوطني وحماية مصالحها القومية إقليميا، بل وحتى دوليا، أضحت تعتمد على إمكاناتها الاستراتيجية الذاتية الحقيقية والمحتملة. اليوم: المملكة تقود حربين على جبهتين مختلفتين، بالرغم من اختلاف طبيعتهما اعتمادا على إمكاناتها الذاتية، بصورة كبيرها. المملكة تخوض حربا، بمعناها التقليدي في اليمن.. وتخوض أخرى، وإن كانت أقل عنفا بل تظل شرسة، على جبهة السوق العالمية للنفط. الأولى: كانت مفاجأة للعالم، بما فيه واشنطن.. والثانية: ليست واشنطن، نفسها بعيدة عن مدى «نيرانها الصديقة»، إذا جاز التعبير، في صورة الأضرار الفادحة التي تكبدتها صناعة النفط الصخري، بل وحتى صناعة النفط التقليدية في الولاياتالمتحدة. كما أن المملكة اليوم، لم تعد تعتمد بصورة حصرية لا على السلاح الأمريكي، ولا حتى على الحليف الأمريكي، في ما يخص خدمة متطلبات أمنها القومي. المملكة اليوم تحصل على السلاح من مصادر متعددة.. والرياض اليوم تقود قوة عربية في حرب اليمن.. وتقود قوة إسلامية قوامها 34 دولة لمحاربة الإرهاب ومخططات إيران التوسعية في المنطقة.. وتنشئ قوة عسكرية إقليمية بقيادتها وتركيا، جاهزة للتدخل لحسم مناطق توتر ساخنة في المنطقة، مثل: سوريا. باختصار: العلاقات السعودية الأمريكية، فقدت الكثير من ملامحها التقليدية، وأضحت أكثر تعقيدا وتداخلا، بل وحتى توازنا، إلى حد كبير. إلا أن معالم الصداقة الحيوية، تظل أبرز ملامح هذه العلاقة، لارتباطها بمتغيرات موضوعية لها علاقة مباشرة بمصالحهما وأمنهما القوميين، لا قبل للطرفين، سوى تنميتها وتعميقها. البلدان لا غنى لهما عن بعضهما، مهما بلغ التعقيد في علاقتهما.