في وقت مبكر من العام الماضي، زار الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود عمه الملك عبدالله في المخيم الملكي في روضة خريم، وذلك قبل أيام عديدة من دخول الملك عبدالله المستشفى. من دون علم أي شخص من خارج بيت آل سعود كانت العلاقة بين الرجلين اللذين يفصل بينهما بالسن 59 عاما متقلبة. إذ منع الملك عبدالله في إحدى المرات ابن أخيه الذي كان يبلغ من العمر 26 آنذاك من دخول وزارة الدفاع وذلك بعد وصول شائعات للديوان الملكي أن الأمير كان شخصية مخربة ومتعطشة للسلطة. ولكن في وقت لاحق، كلتا الشخصيتين ازدادت قربا من بعضهما البعض، وكلاهما كانا يحملان إيمانا مشتركا بأنه يجب على السعودية أن تتغير بشكل كبير، وإلا سوف تواجه الدمار في عالمٍ سوف يتخلى عن النفط. ولمدة عامين وبتشجيعٍ من الملك عبدالله، كان الأمير يخطط بهدوء من أجل إعادة هيكلة اقتصاد وحكومة المملكة العربية السعودية، وذلك بهدف تحقيق ما سماه «أحلاما مختلفة» لجيله، جيل ما بعد عصر الكربون. توفي الملك عبدالله بعد وقت قصير من زيارة الأمير في شهر يناير من عام 2015. وتولى والد الأمير محمد سدة الحكم، وأعلن الملك سلمان تعيين ابنه وليا لولي العهد ومنحه سلطة غير مسبوقة في التحكم بالنفط المملوك للدولة، وصندوق الاستثمارات العامة، والسياسة الاقتصادية، ووزارة الدفاع. في الوقت الحالي، الأمير محمد بن سلمان يعد فعليا هو القوة المحركة خلف أقوى عرش في العالم. ويطلق الدبلوماسيون الغربيون في الرياض على الأمير البالغ من العمر 31 عاما لقب «سيد كل شيء». قال الأمير: «منذ الاثنتي عشرة ساعة الأولى، تم إصدار القرارات». وأضاف: «في أول 10 أيام أعيد تشكيل الحكومة بأكملها». تحدث الأمير لثماني ساعات في مقابلتين أجريتا في الرياض واللتين تمثلان نظرة نادرة للفكر الشرق الأوسطي الجديد، فكر يحاول محاكاة ستيف جوبز، فكر يستشهد بألعاب الفيديو بأنها إبداع مثير ويعمل 16 ساعة يوميا في بلادٍ لا تعاني من شحٍ في الوظائف السهلة. في العالم كانت هناك حالة شبيهة بالذعر عندما اكتشف مستشارو الأمير أن السعودية تستهلك احتياطاتها النفطية بصورة سريعة لم يدركها أحد، واحتمالية الإفلاس بعد عامين فقط. لقد تسبب هبوط الإيرادات النفطية في عجز يبلغ 200 مليار دولار أمريكي في الميزانية، وهذه مجرد لمحة لمستقبل لا تستطيع فيه السلعة المصدرة الوحيدة للسعودية دفع فواتير البلاد بعد الآن، سواء كان ذلك بسبب غرق السوق بالنفط أو بسبب سياسات تغير المناخ. المملكة العربية السعودية اعتمدت تاريخيا على القطاع النفطي ل90% من ميزانية الدولة، مشكلة تقريبا جميع إيرادات السلع المصدرة، وأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي. ومن المخطط له في تاريخ 25 إبريل إعلان الأمير ل«رؤية المملكة العربية السعودية» وهي خطة تاريخية تتضمن تغيرات اجتماعية واقتصادية واسعة. كما تتضمن إنشاء أكبر صندوق سيادي في العالم والذي يحمل أكثر من تريليوني دولار أمريكي من الأصول - وهي كافية لشراء شركات أبل وغوغل ومايكروسوفت وبيركشير هاثاواي والتي تعتبر أكبر شركات العالم المطروحة في السوق -. ويخطط الأمير لطرح اكتتاب عام يتم فيه بيع «أقل من 5%» من أرامكو السعودية التي تعد شركة النفط الوطنية والتي سوف تصبح أكبر تكتل صناعي في العالم. كما أن الصندوق سوف يحقق التنوع في أصوله البترولية، وبالتالي التحوط من الاعتماد الكلي تقريبا للمملكة العربية السعودية على النفط من أجل تحقيق الإيرادات. وقال الأمير إن هذه التحركات الكبيرة «سوف تجعل فعليا الاستثمارات مصدر إيرادات الحكومة السعودية وليس النفط»، كما أضاف بقوله: «لذا في غضون 20 سنة، سوف نكون اقتصادا أو دولة لا تعتمد بشكل رئيسي على النفط». لمدة 80 عاما، كان النفط الركيزة التي تدعم العقد الاجتماعي والتي تعمل بموجبه المملكة العربية السعودية: الحكم المطلق لعائلة آل سعود مقابل الإنفاق السخي على 21 مليون مواطن. والآن أعاد الأمير محمد صياغة الاتفاق. إذ قام بخفض الدعم الحكومي الممنوح للوقود والكهرباء والمياه، ومن الممكن أن يفرض ضريبة القيمة المضافة ورسوما على السلع الفاخرة والمشروبات السكرية. هذه التدابير رفقة بغيرها تهدف إلى توليد 100 مليار دولار أمريكي سنويا كجزء من الإيرادات الإضافية غير النفطية بحلول عام 2020. لكن هذا لا يعني أن الدعم النقدي الحكومي السعودي قد توقف - ليس هناك أي خطط لفرض ضرائب على الدخل -، وبهدف تخفيف الضربة لذوي الدخل المنخفض ينوي الأمير تقديم دعم مالي حكومي مباشر، حيث قال: «نحن لا نريد أن نضغط عليهم، نريد أن نضغط على الأثرياء». لا يمكن للمملكة العربية السعودية أن تزدهر في الوقت الذي تحد فيه من حقوق نصف مجتمعها، ولكن الأمير أوحى بأنه سوف يدعم المزيد من الحريات للمرأة التي لا تستطيع القيادة والسفر من دون إذن أحد أقاربها الذكور، إذ قال: «نحن نعتقد أن المرأة لديها حقوق في الإسلام لم تحصل عليها بعد». يقول أحد كبار الضباط الأمريكيين السابقين، والذي التقى أخيرا بالأمير، إن الأمير قال إنه مستعد للسماح للمرأة بالقيادة، لكنه ينتظر اللحظة المناسبة لمناقشة المؤسسة الدينية المحافظة، التي تسيطر على الحياة الاجتماعية والدينية. حيث قال له حسب قوله: «بما أنه كان يسمح للنساء بركوب الجمال (في عهد النبي محمد) فربما علينا تركهم يركبون الجمال الحديثة». بينما قال الأمير ل«بلومبيرغ»: «ليس لدي مشكلة مع المؤسسة الدينية الرسمية فيما يخص قيادة المرأة للسيارة، وإن المشكلة التي أعمل على حلها هي مع أولئك الذين يشوهون الحقائق على المؤسسة الدينية كي لا تحصل النساء على حقوقهن الكاملة التي كفلها لهن الدين الإسلامي». وأضاف قائلا في لقاء صحفي معه في الرياض يوم الثلاثاء: «نؤمن أن هناك حقوقا للنساء في دين الإسلام لم يحصلن عليها بعد». وفيما تمنع النساء في المملكة العربية السعودية من القيادة ويتطلب الأمر حصولهن على موافقة من أحد الأقارب الذكور للسفر خارج السعودية، فقد اتخذت خطوات متدرجة لفتح فرص جديدة للنساء. تحت حكم الملك عبدالله؛ بدأت النساء في العمل في الأسواق المركزية الكبيرة ومحلات الملابس الداخلية النسائية وغيرها من المحلات. كما تم تعيينهن في مجلس الشورى عام 2013 وشاركن في الانتخابات البلدية لأول مرة العام الماضي. وفي مقابله سابقة للأمير الشهر الماضي صرح قائلا: «أرغب في تذكير العالم أن النساء الأمريكيات انتظرن طويلا كي يحصلن على حقوقهن في التصويت. لذلك نحن في حاجة للوقت»، وأضاف: «نحن ننظر إلى المواطنين بشكل عام والنساء هن نصف هذا المجتمع ونريده أن يكون نصفا منتجا». وبشكل منفصل عن ذلك، تم منع الشرطة الدينية السعودية من القيام بعمليات إلقاء القبض العشوائية دون المساعدة من السلطات الأخرى. محاولات التحرر قد تفسر من قبل البعض بأنها تخالف الاتفاق الذي أبرمته الدولة مع الأصولية الوهابية قبل جيلين من الزمن، لكن نوع الصناعات التي يريد الأمير محمد أن يجذبها إلى المملكة ليس من المرجح أن تأتي إلى دولةٍ فيها قيود كبيرة على المرأة. اليوم، لا يهم كم يوجد من المال في المملكة العربية السعودية، المصرفيون وأسرهم يفضلون البقاء في دبي. كثير من السعوديين الذين اعتادوا على مشاهدة تولي مقاليد السلطة بعناية من قبل أفراد سلالة الملك المؤسس كبار السن ذهلوا من خطف الأمير محمد الأضواء بجمعه السلطات في العام الماضي. صعود أمير من الجيل الثالث – حفيد المؤسس – كان يصب في عمق مصلحة نصف الشعب الذين هم تحت سن ال25، ولاسيما بين عدد متزايد من السعوديين المهذبين والذين تلقوا تعليما جيدا ويجدون أن القيود المفروضة على النساء تسبب الإحراج. تبلغ البطالة بين الشباب نحو 30%. لكن دعم الإصلاح شيء، وتطبيقه شيء آخر. وكانت رد فعل العامة تجاه إعادة التهيئة الاقتصادية ردة فعل قلقة وغاضبة في بعض الأحيان. وفي هذا الشتاء، توجه العديد من السعوديين إلى تويتر، وسيلتهم المفضلة للخطاب غير الخاضع للرقابة، للتنفيس حول القفزة التي تصل إلى 1000% في فواتير المياه ويشتكون من احتمالية بيع شركة أرامكو السعودية، إرث الدولة، لتمويل الاستثمارات التخيلية لأمير شاب. يقول المعلق الاقتصادي برجس البرجس، الذي ينتقد بيع أسهم شركة أرامكو: «لقد كنا نصرخ باحثين عن بدائل للنفط لمدة 46 عاما، ولكن لم يحدث شيء، لماذا نضع مصدر رزقنا الرئيسي في خطر؟ الأمر شبيه باقتراضنا من مشتر سيكون علينا أن نسدد له لبقية حياتنا». يعتقد البرجس وغيره من المشككين السعوديين أن المستثمرين في الاستثمارات العامة، سيطالبون بخفض كبير للغاية للاستثمار في أسهم أرامكو، خشية من أنه سوف تكون للدولة دائما أولويات أخرى لشركة أرامكو، بالإضافة إلى تحقيق أرباح مضاعفة. وهم يتساءلون أيضا: لماذا يجب على السعوديين أن يثقوا بمديرين غير مسؤولين لصندوق الثروة السيادية لجلب عوائد عالية أكثر من المديرين التنفيذيين في شركة أرامكو؟. حجم الشركة مذهل. هي المنتج الأول للنفط في العالم، حيث لديها القدرة على ضخ أكثر من 12 مليون برميل يوميا، أي أكثر من ضعفي إنتاج أي شركة أخرى، وهي رابع أكبر شركة تكرير في العالم. تسيطر شركة أرامكو على ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم، بعد فنزويلا؛ ولكن على النقيض من أورينوكو بيلت حيث يكلف الحصول على النفط الكثير في ذلك البلد، النفط في المملكة العربية السعودية رخيص وسهل الحصول عليه. أرامكو هي أيضا واحدة من أكثر الشركات سرية على وجه الأرض – ليس هناك تدابير رسمية للأداء المالي. من المحتمل أن يتوسع اقصاد المملكة ب1.5% في عام 2016، أبطأ وتيرة منذ الأزمة المالية العالمية، وفقا لاستطلاع قام به موقع بلومبيرغ، إذ إن إنفاق الحكومة – المحرك لاقتصاد البلاد – انحدر لأول مرة في أكثر من 10 سنوات. لا يزال ثلثا الموظفين السعوديين يعملون في القطاع الحكومي، بينما يشكل الأجانب قرابة 80% من موظفي القطاع الخاص. كانت بعض خطوات التنوع في المملكة العربية السعودية في الماضي تمثل فشلا واضحا. مركز الملك عبدالله المالي الذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار والذي بدأ في عام 2006، على سبيل المثال، لا يزال أغلبه غير مؤجر. سكة حديد أحادية شبحية ملتوية كالأفعى داخل 70 مبنى، بما في ذلك ناطحات سحاب زجاجية وفولاذية. حيث تخلى بعض عمال البناء أخيرا عن المشروع، قائلين إن رواتبهم لم تدفع لهم. يقول مدير إدارة المخابرات في TENEO كريسين هاويس: «في نهاية المطاف، الجميع يعرف ماذا تعني التركيبة السكانية للمملكة العربية السعودية، يبدو أن أولئك الشعب الآن ليسوا ألطف مما كانوا عليه قبل 10 أعوام. دون الإصلاح الاقتصادي الأساسي الحقيقي، من الصعب للغاية أن نرى كيف يمكن أن يولد الاقتصاد السعودي مستويات التوظيف التي يحتاجها». لم يخض الأمير محمد في تفاصيل أي استثمارات غير نفطية مخطط لها، لكنه يقول إن الصندوق السيادي العملاق سيشكل فريقا واحدا مع شركات الأسهم الخاصة للاستثمار في نهاية المطاف بنصف حصصها في الخارج، باستثناء حصة أرامكو، في الأصول التي سوف تؤدي إلى تدفق أرباح مستمر من الوقود الأحفوري. هو يعلم أن الكثير من الناس غير مقتنعين. حيث يقول في منتصف شهر أبريل «هذا هو سبب جلوسي معكم اليوم، أريد إقناع شعبنا بما نقوم به، وأريد إقناع العالم». يقول الأمير محمد إنه اعتاد على مواجهة الممانعة، واستشهد بأعدائه البيروقراطيين الذين اتهموه ذات مرة عند والده والملك عبدالله بمحاولاته لسحب السلطة. يقول الأمير إنه يقرأ لونستون تشرشل وكتاب فن الحرب لصن تزو وأنه سوف يقلب المحن لتصب في مصلحته. يمكن أن يرى الجميع ذلك على أنه مجرد كلام مشوش آخر من شخص من جيل الألفية لو لم يكن للأمير مسار واضح للسلطة أو لم يتحدث بحرية مطلقة بطرق تهز النظام العالمي السياسي النفطي. الملك المستقبلي المحتمل للمملكة العربية السعودية يقول إنه لا يهتم إذا ارتفعت أسعار النفط أو انخفضت. فإن ارتفعت فهذا يعني بأنه سيكون هناك المزيد من الأموال للاستثمارات غير النفطية، وإن انخفضت فهذا يعني بأن السعودية، بصفتها المنتج الأقل تكلفة في العالم، يمكنها التوسع في السوق الآسيوية المتنامية. إن ما يقوم به ولي ولي العهد الآن هو عبارة عن عملية تنصل من عقيدة السعودية الموجودة منذ عقود بوصفها قائدة لمنظمة أوبك النفطية. ولقد قام أخيرا بتعطيل فكرة تجميد إنتاج النفط المقترحة في اجتماع منتجي النفط في قطر في السابع عشر من شهر إبريل لأن الخصم اللدود إيران لم تشارك في هذا التجميد. ورأى مراقبون أن ذلك كان تدخلا نادرا للغاية من قبل أحد أفراد العائلة المالكة، التي اعتادت في السابق على إعطاء التكنوقراطيين مجالا واسعا لاتخاذ القرارات في وزارة البترول وصياغة السياسة النفطية. حيث يقول: «نحن لا نهتم بحالة أسعار النفط أكان سعر البرميل 30 أو 70 دولارا، لأنها جميعا سواء بالنسبة لنا»، ويضيف: «هذه المعركة ليست معركتي». لكي تجري مقابلة مع ولي ولي العهد، لا يجب عليك أن تتحقق من موظف الاستقبال. حيث يبدأ كل شيء من أحد الفنادق في وسط العاصمة الرياض، في انتظار مكالمة من مكتب تشريفات القصر. وقد تم قضاء مساء الثلاثين من مارس في وضع الانتظار. لتأتينا المكالمة في الساعة 8:30 مساء، وصلت ثلاث سيارات من طراز مرسيدس - بنز. حتى ونحن في طريقنا إلى إجراء مقابلة حول الادخار إلا أنه لا مفر من الانحطاط في عالم البذخ: فقد كانت السيارات حديثة الصنع، وبمقاعد ملفوفة في أحزمة من البلاستيك وأحزمة أمان لم تستخدم أبدا. توجه الموكب إلى المجمع الملكي في عرقة، مجموعة من القصور التي تحيط بها جدران بيضاء عالية حيث يعيش الملك وبعض أقاربه، بمن فيهم الأمير محمد. تجاوزنا حراسا مسلحين، ونقاط تفتيش، وأجهزة كشف عن المعادن. ولم يتحققوا حتى من إثباتاتنا. وعندما وصلنا إلى مكتبه، وجدنا الأمير محمد مرتديا ثوبا أبيض عاديا وليس على رأسه شيء، وكشف عن رأسه المنحسر وشعره الأسود، كان ظهوره غير الرسمي مثار إعجاب العديد من السعوديين عندما نشرت الصور الرسمية في وقت لاحق على الإنترنت. لقد بدأت المقابلة والنقاش المطول وهو يستمع إلى الأسئلة باللغة الإنجليزية ويرد عليها فورا وبالتفصيل باللغة العربية. وقد كان يصحح لمترجمه بشكل متكرر. وفي الساعة 12:30 بعد منتصف الليل جاء وقت العشاء. وانضم الفريق الاقتصادي للأمير إلى الصحفيين على الطاولة، بما في ذلك رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو ورئيس الرقابة المالية ورئيس صندوق الثروة السيادية. وخلال تناولنا للوجبة بدأنا نتناقش بأريحية أكبر، وقام الأمير محمد بسؤال محمد آل الشيخ، خريج جامعة هارفارد ومستشاره المالي والمحامي السابق في لاثام أند واتكنز والبنك الدولي، تقديم معلومات محدثة عن الوضع المالي للمملكة العربية السعودية. خلال الطفرة النفطية التي حدثت بين عامي 2010-2014، وصل الإنفاق السعودي إلى درجة خيالية. المتطلبات السابقة التي كانت تحتم على الملك الموافقة على جميع العقود التي تتجاوز قيمتها 100 مليون (26.7 مليون دولار أمريكي) أصبحت أكثر مرونة لتصل أولا إلى 200 مليون دولار ثم إلى 300 مليون دولار ثم إلى 500 مليون دولار، وبعد ذلك، يقول الشيخ، علقت الحكومة القانون بالكامل. صحفي يسأل: كم كان يضيع؟ حدق آل الشيخ بعينيه على الطاولة قبل أن يقول «هل يمكنني إيقاف هذا (المسجل)؟». ليتدخل الأمير: «لا، يمكنك أن تقول ذلك علنا». يقول آل الشيخ في إجابته على السؤال: «أرجح تخمينات هو أنه قد كان هناك إنفاق غير فعال يقدر بمبلغ يتراوح بين 80 إلى 100 مليار دولار» سنويا، ما يعادل ربع ميزانية السعودية بالكامل. ليتدخل الأمير محمد ويقود دفة الاستجواب سائلا إياه: «ما مدى قرب السعودية من التعرض إلى أزمة مالية؟». ليقول محمد آل الشيخ. إن الحال اليوم أفضل بكثير ويستطرد «لكنك لو سألتني السؤال نفسه قبل سنة واحدة من الآن بالضبط، لربما أوشكت حينها على التعرض إلى انهيار عصبي»، ثم روى قصة لم يسمع عنها أحد من قبل من خارج الحرم الداخلي للمملكة. قال فيها: في الربيع الماضي، عندما توقع صندوق النقد الدولي وغيره أن تساعد الاحتياطيات السعودية في إنقاذ البلاد لمدة خمس سنوات على الأقل من انخفاض أسعار النفط. اكتشف فريق الأمير أن المملكة ستصبح وبسرعة في حالة إعسار. ولو بقي وضع الإنفاق عند مستويات شهر إبريل من العام الماضي لتعرضت المملكة «للإفلاس التام» خلال عامين فقط، في أوائل عام 2017. ويقول آل الشيخ إنه من أجل تجنب الكارثة، قام الأمير بتقليل الميزانية بنسبة 25%، وأعاد تطبيق ضوابط الإنفاق الصارمة واللجوء إلى أسواق الدين، كما بدأ في تطوير ضريبة القيمة المضافة والرسوم الأخرى. ما عمل على التقليل من معدل استنزاف احتياطات السعودية النقدية الذي وصل إلى 30 مليار دولار أمريكي في الشهر خلال النصف الأول من عام 2015. عندها أنهى آل الشيخ تقريره السلبي من الناحية المالية، وقال له الأمير: «شكرا لك». مقابلة ثانية، أجريت في الرابع عشر من إبريل، وكانت في مزرعة الملك سلمان في الدرعية، على مشارف الرياض. عندما يتم تعطيل موكب سيارات المرسيدس في الطرق السريعة، مكالمة هاتفية واحدة من المقعد الأمامي ستأتي بسيارات الشرطة من العدم. تم أخذ الصحفيين عبر ممر ضيق ممتد على طول جدار مرتفع كأنه حصن من الطوب واللبن لقلعة موجودة في الصحراء. هذه المِلكية التي يوجد فيها مكاتب الملك سلمان وأبنائه، تقع على قمة تلة صغيرة في قلب أراضي أسلاف عائلة آل سعود المالكة. هذه المرة قام الأمير خلالها بالحديث عن نفسه وعن نشأته، حيث قال إنه قد استفاد خلال نشأته مؤثرين هامين: التكنولوجيا والعائلة المالكة. فقد كان جيله هو أول جيل يستخدم شبكة الإنترنت وأول من لعب ألعاب الفيديو وأول من يحصل على معلوماته عبر الشاشات، إذ يقول: «نحن نفكر بطريقة مختلفة جدا. وأحلامنا كذلك مختلفة». يعد والده قارئا نهما، واعتاد على توجيه أبنائه لقراءة كتاب واحد أسبوعيا، ومن ثم يقوم باختبارهم لمعرفة من التزم بالقراءة. وأما والدته ومن خلال الموظفين الخاصين بها فإنها تقوم بتنظيم دورات ونشاطات يومية غير روتينية ورحلات ميدانية وجلب مجموعة من المفكرين لإجراء مناقشات تستمر لثلاث ساعات. يقول سمو الأمير إن التأخير على وجبة العشاء بالنسبة لوالده يوصف ب«الكارثة». «وكانت والدتي صارمة مما دفعني أنا وإخواني للتساؤل عن سبب معاملة والدتي لنا بهذه الطريقة؟ لم تكن تتغاضى أبدا عن الأخطاء التي نرتكبها». أما الآن فيعتقد الأمير أن عقابها قد جعل منه شخصا أقوى. وبحسب ما صرح به الأمير محمد فإن لديه أربعة إخوة غير أشقاء يتطلع إليهم، أحدهم كان رائد فضاء وشارك في رحلة لاكتشاف الفضاء وكان أول عربي مسلم يصل إلى الفضاء الخارجي. أما الآخر فهو نائب وزير النفط والثروة المعدنية. أما الأخ الثالث فقد أصبح أستاذا جامعيا يحمل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة أوكسفورد. الأخ الرابع انتقل إلى جوار ربه في العام 2002، وهو مؤسس أكبر مجموعة إعلامية في الشرق الأوسط. عمل جميعهم عن قرب مع الملك فهد لأنه الأخ الشقيق لوالدهم، وقال الأمير عن ذلك: «مما سمح لنا أن نراقب ونعيش الأجواء المحمومة في الديوان الملكي». يرى الأمير محمد نسختين محتملتين لنفسه: أحدهما يسعى إلى تحقيق رؤيته الخاصة، أما الآخر فهو الذي يسعى إلى التكيف مع محيطه كما هو، وعلق الأمير على ذلك بقوله: «هناك فرق كبير بين الإثنين حيث يستطيع الأول أن يوجد شركة أبل، والثاني يستطيع أن يكون موظفا ناجحا. لقد كنت أمتلك خلال نشأتي أدواتٍ أكثر بكثير من تلك التي توافرت لستيف جوبز أو زوكبيرغ أو بيل غيتس. فقط لو أنني اتبعت طرقهم في العمل فما الذي بإمكاني أن أوجده؟ لقد كان كل ذلك يدور في ذهني عندما كنت صغيرا في السن». تخرج الأمير محمد وحقق الترتيب الرابع على مستوى دفعته في العام 2007 من جامعة الملك سعود ليحصل على درجة البكالوريوس في القانون حينها أتت المملكة تطرق بابه، حاول المقاومة في بداية الأمر وأخبر رئيس هيئة الخبراء والتي تعمل كمستشار قانوني لمجلس الوزراء بأنه يستعد لعقد قرانه وإكمال دراسته في الخارج للحصول على درجة الماجستير والشروع في بناء ثروته. ولكن والده حثه على إعطاء الحكومة فرصة، وأمضى الأمير عامين معهم، مركزا على تغيير بعض القوانين والأنظمة المؤسسية التي قال عنها بأنه «لطاما عانيت منها». قال رئيسه، عصام بن سعيد، إن الأمير قد أظهر بأن فكره لا يهدأ وأنه ضاق ذرعا بالبيروقراطية. وذكر ابن سعيد، الذي يعمل الآن كوزير للدولة، «إن الإجراءات التي كانت تأخذ شهرين لإتمامها، كان يطلبها في يومين»، وأضاف ابن سعيد «واليوم أصبحت تأخذ هذه الإجراءات يوم واحدا». في العام 2009، رفض الملك عبدالله الموافقة على ترقية الأمير محمد، وذلك تجنبا من أن يظهر الأمر كنوع من المحسوبية. غادر الأمير محمد وهو يحس بمرارة الأمر وذهب للعمل لوالده في إمارة الرياض. وقد دخل بذلك متاهة تشبه وكر الأفعى. وكما قال الأمير محمد، فإنه حاول تبسيط الإجراءات لحماية والده من الإرهاق جراء كثرة المعاملات الورقية، لكن الحرس القديم تمرد عليه. فقد وجهوا اتهاما للأمير بأنه يستحوذ على السلطة بقطعه لسبل تواصلهم مع والده ونقلوا شكواهم إلى الملك عبدالله. وفي العام 2011، قام الملك عبدالله بتعيين الأمير سلمان وزيرا للدفاع ولكنه أمر الأمير محمد بأن لا تطأ قدمه وزارة الدفاع. انتاب الأمير القلق وشعر أن مسيرته المهنية قد انتهت وبحد تعبير الأمير: «أنا في العشرينات من عمري، لا أعرف كيف وقعت في أكثر من فخ». ولكن بالنظر إلى ما آلت إليه الأمور، فهو ممتن جدا. «إنها من قبيل المصادفة أنني بدأت العمل مع والدي، كل هذا بسبب قرار الملك عبدالله على عدم الموافقة على ترقيتي رحمه الله، لقد أسدى لي معروفا». استقال الأمير محمد من منصبه الحكومي وذهب للعمل على إعادة تنظيم مؤسسة والده والتي تبني المساكن، وبدأ عمله غير الربحي الذي يهدف إلى رعاية الابتكار والقيادة لدى الشباب السعودي. أصبح والده وليا للعهد في العام 2012. وبعدها بستة أشهر رشحه والده رئيسا لديوان ولي العهد. وتدريجيا، نجح الأمير محمد في إعادة بناء الثقة مع الملك عبدالله حيث أوكلت إليه مهمات في الديوان الملكي والتي تتطلب رجلا قويا. بينما كان الأمير محمد يضع الخطط استعدادا لتسلم والده السلطة أتى الملك إليه وكلفه بمهمة كبيرة: وهي إصلاح وزارة الدفاع. وكما وصفها الأمير بأنها مشكلات استعصى إيجاد حلول لها على مدى سنين. «قلت له، أرجوك أنا لا أريد هذا، فصرخ علي وقال: لست أنت من يلام، ولكن علي أنا – لحديثي معك». كان آخر ما أراده محمد حينها هو أن يكون لديه أعداء أقوياء أكثر. أصدر الملك مرسوما ملكيا يعين بموجبه الأمير محمد مشرفا على مكتب وزير الدفاع وبعدها قرر تعيينه عضوا في مجلس الوزراء. قال مدير عام مكتب وزير الدفاع فهد العيسى إن الأمير أحضر شركة بوز ألن هاملتون ومجموعة بوسطن للاستشارات وغير إجراءات شراء الأسلحة، والتعاقد، وتكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية. وأضاف العيسى أن دائرة الشؤون القانونية في السابق كانت «مهمشة» الأمر الذي أسفر عن عقود سيئة والتي أصبحت «مصدرا كبيرا للفساد». قام الأمير بتعزيز قسم الشؤون القانونية وأعاد عشرات العقود ليتم إعادة النظر فيها. فقد تم تصوير العديد من عمليات شراء الأسلحة بشكل خاطئ وتم فحصها بشكل غير صحيح، مع عدم وجود هدف واضح. إذ قال العيسى «نحن رابع أكبر منفق عسكري في العالم، ولكن عندما يتعلق الأمر بنوعية أسلحتنا، لا نكاد نكون من ضمن أفضل 20 دولة»، واضطر الأمير بسبب ذلك لإنشاء مكتب لتحليل صفقات الأسلحة. لقد بدأ أيضا بإمضاء بضعة أيام في قصر الملك عبدالله. إذ حاول تمرير العديد من الإصلاحات الجديدة. وقال الأمير: «كان من الصعوبة بمكان فعل هذا مع وجود عدد الناس»، وأضاف: «لكني أتذكر حتى يومنا هذا بأنه لا يوجد أي شيء لم أقم بمناقشته مع الملك عبدالله ولم يأمر فيه وينفذه». وبعد أقل من أسبوع من وفاة الملك عبدالله وتقلد الملك سلمان سدة الحكم، أصدر والده قرارا بتعيين الأمير محمد وزيرا للدفاع، ورئيسا للديوان الملكي ورئيسا لمجلس للإشراف على الاقتصاد تم إنشاؤه حديثا. وبعد ثلاثة أشهر، استبدل الملك أخاه غير الشقيق، ولي العهد – رئيس الاستخبارات السابق الذي عينه الملك عبدالله وليا لولي العهد قبل سنتين – ووضع ابن أخيه وابنه في ترتيب ولاية العرش. وذكر مرسوم الملك أن هذه الخطوة قد وافق عليها أغلبية أعضاء هيئة بيعة آل سعود. وقد أعطي الأمير محمد قيادة شركة أرامكو بموجب مرسوم ملكي بعد 48 ساعة. يقسم الأمير وقته بين قصور والده ووزارة الدفاع، إذ يعمل منذ الصباح حتى بعد منتصف الليل في معظم الأيام. وتدعي حاشيته بأن علاقته مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف جيدة؛ إذ يملكون مخيمات ملكية مجاورة. يقوم الأمير محمد بعقد اجتماعات متكررة مع الملك ويقضي جلسات طويلة مع المستشارين والمساعدين وهم منكبين على البيانات الاقتصادية والنفطية. ويستضيف الشخصيات الأجنبية والدبلوماسيين أيضا وهو الرجل الرئيسي خلف حرب المملكة في اليمن المثيرة للجدل ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. فبالرغم من حديث الأمير عن الادخار، إلا أن الحرب قد كلفت الكثير. إذ قال الأمير عن هذا الصراع: «نؤمن بأننا قريبون جدا من الحل السياسي. ولكن إذا انتكست الأمور، فنحن مستعدون». يقوم أطفال الأمير بإيقاظه من النوم في أغلب الأيام، صبيان وفتاتان، تتراوح أعمارهم بين السنة والست سنوات. وهذه آخر مرة يراهم فيها. إذ قال الأمير: «تغضب زوجتي علي بعض الأحيان لأنني وضعت الكثير من الضغوط عليها بسبب البرامج التي أود أن يحصلوا عليها. أنا أعتمد بشكل أساسي على والدتهم في تربيتهم». وذكر الأمير أنه متزوج من امرأة واحدة فقط ولا يخطط للزواج مرة أخرى. وفسر ذلك بأن جيله ليس مهتما بتعداد الزوجات، فالحياة مليئة بالمشاغل، فبالمقارنة مع الأجيال السابقة عندما كان المزارعون يعملون لبضع ساعات في اليوم والمحاربون يستطيعون «جني الغنائم مرة واحدة في الأسبوع، ولديهم الكثير من أوقات الفراغ»، فالعمل، والنوم، والأكل والشرب لا يتيح الكثير من الوقت لتكوين أسرة أخرى كما ذكر. «إن العيش مع عائلة واحدة شاق بما فيه الكفاية». قد تجد الولاياتالمتحدة في الأمير محمد حليفا متعاطفا على المدى الطويل في منطقة تسودها الفوضى. فبعد أن تقابل الرئيس أوباما مع الأمير محمد في كامب ديفيد في شهر مايو الماضي، قال أوباما إنه يجده «مطلعا للغاية، وذكيا جدا وحكمته تتجاوز عمره». زار الأمير أوباما في البيت الأبيض في شهر سبتمبر للتعبير عن رفضه للاتفاق النووي الإيراني بوساطة الولاياتالمتحدة، ومن المحتمل أن يلتقي الرجلان مرة أخرة عندما يزور أوباما الملك سلمان في مدينة الرياض يوم 20 أبريل. في شهر مارس، التقى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام من ولاية ساوث كارولاينا بالأمير محمد في الرياض مع وفد من الكونغرس. ظهر الأمير وهو مرتديا البشت المطرز باللون الذهبي والشماغ الأحمر وهمس لغراهام بأنه يتمنى لو لبس زيا آخر. قال غراهام: «قال لي، «البشت لا يصنع الرجل»، من الواضح أنه يفهم ثقافتنا». يقول غراهام إنهم تحدثوا لساعة عن الأعداء المشتركين لكل من إسرائيل والسعودية والمتمثلين في داعش وإيران؛ الإسلام والابتكار؛ وعن التغيرات الاقتصادية الملحمية بالطبع. إذ قال غراهام: «لقد كنت مندهشا، لم أتمكن من تصديق كيف كان اللقاء مريحا للغاية». وأضاف قائلا: «ما تراه هو رجل يرى محدودية تدفق الإيرادات، وبدلا من أن يشعر بالذعر، ينظر إليها كفرصة إستراتيجية. فنظرته للمجتمع السعودي هي أنه حان الوقت لإعطاء قدر أقل للشريحة القليلة وإعطاء الشريحة الغالبة من الناس قدرا أكبر». ويقول الأمير: «إن كبار العائلة المالكة ينظر إليهم بحسب امتيازاتهم، ولكنه يريد أن ينظر إليهم حسب واجباتهم بدلا من ذلك». تغيير الصورة الملكية في بلد يعيش فيه آلاف من عائلة آل سعود حياة مترفة من الخزائن الوطنية لن يكون بالأمر السهل، ولكن الأمير محمد مستعد للمحاولة. إذ قال: «الفرص التي نمتلكها أكبر من المشاكل».