حتما سينتابك الذهول وأنت تتأمل مشاهد بانورامية من فنون القط العسيري داخل البيوت أو في نقش الملبوسات الشعبية القديمة منها والحديثة، حكم جمالي وفعل تشكيلي ومغامرة تفرض عناصر الجمال في هذا الفن الذي اشتهرت به المنطقة الجنوبية وتحديدا في عسير ونساء رجال ألمع. فن نطق بلغة اللون وعناصر الزخرفة وأبجديات التوزيع الفراغي للعمل، هو تاريخ وإرث فني قديم بدأ منذ مراحل مبكرة في رجال ألمع وخرج إلى مناطقتيها بحثا عن الظهور، نجح هذا الفن في الخروج من عنق الزجاجة إلى أروقة مبنى الأممالمتحدة وجدارية بمدينة نيويوركالأمريكية، بعنوان «بيوت أمهاتنا» وبطول 18 مترا بأنامل فنانات جنوبيات استطعن من خلال هذه الجدارية أن يثبتن للعالم أجمع أن الفن ليس له حدود وأن الإبداع يظل إبداعا، فرض هذا النوع من الفن نفسه بقوة بعد أن ظل حبيس جدران البيوت الشعبية في منطقة عسير حتى أضحى الآن دلالة رمزية واختزالا استعاريا شكليا للحيز المكاني للتراث، خط ولون وشكل وزخرفة وأنامل نسائية هي ما يميز فن القط. الفنان التشكيلي خالد الشهري (المشرف على أكبر جدارية لفنون القط في المملكة وفي أبها وربما تدخل عالم غينيس للأرقام القياسية)، قال: «فن القط هو فن عسيري اشتهرت فيه النساء خصوصا نساء رجال ألمع، وهو فن تجردي زخرفي بعناصر أكثر جذب للمتلقي، أنه فن لفت أنظار كثير من الباحثين وزوار المنطقة الجنوبية، وفن القط عبارة عن فن اجتماعي انطلق من أنامل المرأة بتزيينها لمنزلها، وهو عبارة عن خطوط فنية ونقش جمالي هندسي نبع من الفطرة بعيدا عن المدارس الأكاديمية فتوارثته النساء من بعضهن البعض مستوحين عناصره من بيئتهن الجنوبية». واستعرض الشهري أشهر فنانات القط في المنطقة الجنوبية، بدءا من جحاحة بنت بريدي، شريفة بنت أحمد، فاطمة امسباع، أمنة بنت امحمد بن هادي، وهي والدة الفنانة فاطمة علي أبو قحاص. وأشهر النقوش التي سجلها التاريخ للفنانة فاطمة أبو قحاص في حصن رازح، وفي بيت آل الزهر في الخليس وفي حصن آل علوان (مسمار) الذي فيه متحف ألمع الدائم للتراث وفي عدد من بيوت الأغنياء كما أن إحدى لوحاتها موجودة في بهو فندق قصر أبها. واستذكر الفنان الأكاديمي خالد الشهري بداية هذا الفن في استخراج الألوان، مؤكدا أن اللون الأحمر كمثال أو ما يطلق عليه «الحسن» كانوا يحصلون عليه بجمع عدد من الأحجار حمراء اللون المختلفة المناسيب يضاف عليها المر، أما اللون الأزرق المحمص ويطحن في مطاحن يدوية حتى تصبح أكثر دقة وجاهزية للاستعمال، أما الأصفر والأزرق والأخضر فكانت عن طريق عدد استيرادها من التجار كما أن جميع هذه الألوان تمزج بالصمغ الذي يعد من المواد الأساسية في النقش الألمعي. فيما قالت الفنانة سلمى القحطاني: «فن القط هو فن زخرفي جنوبي المنشأ والهوية، اشتهرت به عسير وقحطان وشهران، فن تراثي وموروث شعبي، ويعتبر أحد فنون النقش الذي تفننت فيه نساء عسير وسط منازلهن قديما وهو فن تميز به أهالي الجنوب بتعدد ألوانه وزخارفه الهندسية المتنوعة، وقد تميزت عسير وتحديدا رجال ألمع في زاهي الألوان وكثرة التفاصيل ودقة الزخارف، والقط فن جداري يقوم على رسم خطوط مستقيمة أفقيا وعاموديا تتقاطع معها خطوط ثانوية بزاوية قائمة في الأغلب وزواية حادة في بعض التصاميم لتشكل جماليات هندسية متفاوتة المقاييس بإيقاع متكرر، وتنفذ تلك الخطوط عادة باللون الأسود ومن ثم تلون المساحات الهندسية بالألوان الرئيسية (الأحمر _ الأصفر _ الأزرق) والثانوية (الأخضر _ البرتقالي _ وحديثا ادخل اللون البنفسجي) على الجدران الكلسية البيضاء؛ لصنع لوحة جدارية متناغمة تسير أنماطها أفقيا على الحائط وصولا بالمدخل ثم تستقيم الخطوط والزخارف عاموديا لتؤطر الباب من جميع جهاته. وقسمت سلمى أنواع فنون القط حسب الكتب التاريخية إلى الختام وعرضة نحو 40 سم تحفة الحظية وتعلوه البناة والأمشاط والركون إضافة إلى الحظية، وهو نقش على طول الجدار ويستخدم في مجالس النساء والبترة وهي جامعة لكل أنواع النقش وتستخدم في أوجه المجالس والأخير هو التقطيع العمري وهي خطوط مستقيمة رأسية متوازية تمثل القاعدة التي ينطلق منها خيال الفنانة الجنوبية، ومن الأدوات المستخدمة قديما هي الريشة وهي شبيهة بريشة الرسام حاليا كانت تصنع من شعر ذيل الأغنام.