بين حيطان الأربطة الخيرية تتخفى حكايات مأساوية تجسد واقع الجحود وقسوة القدر، وبين أمل في سعادة منشودة وألم من نكران جميل السنين والتضحيات تكتسي الروايات بالأسى ورداءة الحظ الذي لم يحمل بين طياته الفرح. هن كاللؤلؤ كلما مرت عليه السنين يزداد بريقا، رغم ما يشعرن به من قسوة الحياة وجحود الأبناء في وقت يحتفل فيه العالم العربي بيوم الأم تقديرا لمكانتها ودورها في المجتمع. ربما تضحياتهن لم ترتق لأحلامهن وهن يرين فلذات أكبادهن منغمسين في حياتهم الخاصة متعللين بمشاغل الحياة عن هجرهم أياما وأحيانا شهورا وأحيانا للأبد، وعلاوة على قسوة الشعور بتخلى أبناؤهن عنهن، إلا أن بصيص الأمل يؤنس وحدتهن عل الأيام تجود بقليل من الحظ ليسعد قلوبهن بعد أعوام فاضت بها بالحب والحنان والتضحية. تتمتم أم صالح التي تسكن في أحد الأربطة الخيرية في مدينة جدة قليلا قبل أن تسترسل في سرد حكايتها قائلة: «لدي ولد وحيد تزوج وأنجب أربعة أبناء وكنت أسكن معه وعائلته في بيت صغير مكون من حجرتين لم تكف لإيوائنا مع مرور السنين، إذ آثرت الرباط لأفسح مجالا له ولأبنائه ليعيشوا حياتهم بحرية وسعادة، بعد شعوري أن المكان لم يعد يتسع لي، وها أنا أواصل مسيرة حياتي وحيدة مفضلة التضحية على راحتي». وفي ركن آخر، تبوح أم نايف بمكنونها: «لدي ولدان وبنت تزوجوا جميعهم وأعمالهم لا تدر مالا كثيرا عليهم، ما زاد من قسوة الحياة عليهم، فكلما ذهبت إليهم أجد النفوس ضيقة حرجة من وجودي، وهذا ولد لدي شعورا بالأسى، ففضلت الذهاب للرباط لأكمل حياتي في أمان وبعيدا عن المنغصات وهم يزوروني بين فينة وأخرى، ولا شك أن هذا يؤنسني». أم خالد تعيش مأساتين كل منهما أكثر قساوة من الأخرى، فالأولى تتجسد في فراق نجلها الوحيد الذي ذهب ضحية حادثة مرورية، والأخرى بسبب وحدتها في الرباط وفقدانها لسؤال الأحباب، تقول عن ذلك: «كان لدي ولد وحيد أخذه مني القدر في لحظة، بعد أن كانت السعادة تجمعنا، إذ كان ينفق علي ويبرني، وبعد وفاته لم أجد مكانا يؤويني فذهبت للرباط وهنا أعيش في حال جيد رغم ذكرى خالد التي تؤرقني كلما مر طيفه في مخيلتي». وتجسد أم ناصر قصتها مع جحود أبنائها الثلاثة بعد أن اشتد عودهم وأصبحوا يافعين معتمدين على ذواتهم، فتروي قصتها بألم وحسرة: «اثنان من أبنائي يعملان في مهن بسيطة والثالث معاق، وكلما ذهبت إليهما برفقة أخيهما الثالث تتضجر زوجتاهما من وجودنا، ولكي لا أحول حياتهما إلى جحيم اخترت تركهما والذهاب بابني المعاق إلى الرباط، ومنذ سنوات نعيش هنا في عزلة عن العالم وعن ابني اللذين انقطعا عنا ولم نعد نراهما». أم عبدالله استعانت بإحدى جاراتها لتتخلص من معاناة زوجات أبنائها الخمسة اللاتي لا يروق لهن وجودها بينهن، تبوح قائلة: «أبنائي الخمسة يعملون في مهن جيدة وكسبهم أيضا كذلك، إلا أنهم يتبعون زوجاتهم اللاتي درجن على مضايقتي كلما زرت أحدهم، فما كان مني أمام ذلك سوى الاستعانة بجارتي التي ساعدتني في دخول الرباط الخيري في محاولة للنأي عنهم، ومن حينها تخلى أبنائي عني وتركوني وحيدة هنا لا سؤال ولا زيارة، ورغم ذلك أحبهم وأريد أن يسعدوا في حياتهم».