النظام الدولي لا يعترف في عضويته لغير الدول، أو الكيانات السياسية التي تتكون من الدول. الدول، عادة، تكون ممثلة في النظام الدولي بحكوماتها التي تمارس السيادة على إقليمها وتعكس إرادة شعبها، الذي هو صاحب السيادة الأول والأخير في الدولة. ويترتب على ممارسة الدولة للسيادة أن تحتكر حكومتها ممارسة السلطة، بما يترتب على ذلك من احتكار أدوات الردع (العنيفة) وكذلك الإرادة السياسية الماضية لإنفاذ قانونها (جبرا)، كأبرز صور ممارسة السيادة الفعلية في المجتمع. من أبرز معالم فشل الدولة، أي دولة، تراخي قبضتها الأمنية داخليا، مما يتيح المجال لقوى غير شرعية داخليا وقد تكون مدعومة بقوى خارجية، لأن تسلب الدولة حقها الدستوري والأخلاقي والسياسي، باحتكار أدوات وآليات فرض إرادتها بالقوة.. أو ارتهان قرارها السياسي، بعيدا عن مؤسسات الدولة الشرعية. عندما يُبقى على مؤسسات الدولة الرسمية، دون أن يكون لرموز تلك المؤسسات أية سلطة حقيقية وتجري عملية تحريكهم عن بعد، بواسطة القوى غير الشرعية التي تغلبت بالفعل على إرادة الدولة نفسها، وأخذت تمارس السلطة بصورة فعلية من وراء الستار، فإننا إزاء اختطاف حقيقي للدولة، رغما عن إرادة مؤسساتها الدستورية، بل رغما عن إرادة الشعب صاحب السيادة الحقيقي. هذا هو حال لبنان الآن في ظل الهيمنة الفعلية لحزب الله. لبنان منذ مايو 2014 بدون رئيس للجمهورية، ومن قبل ذلك بلا برلمان منتخب، من قبل الشعب، وإن حدث تعديل في قانون الانتخاب بتمديد عمل برلمان 2009 لمدة عام، انتهت في 20 نوفمبر 2014. من يومها والبرلمان اللبناني «سيد قراره» بعيدا عن إرادة الشعب، حيث مدد البرلمان لنفسه، حتى يونيه 2017! مع ذلك هناك حكومة، لكنها ليست منبثقة عن برلمان يمارس صلاحياته وفق دورة برلمانية دستورية. لكنها أيضا حكومة بدون رئيس للبلاد، لأن البرلمان الذي على عاتقه اختيار رئيس الجمهورية، لم يعد شرعيا، من الناحية الدستورية، ومع ذلك فشل عدة مرات في تنصيب رئيس للجمهورية! كل هذا الإشكال على مستوى مؤسسات الدولة العليا في لبنان وراءه حزب الله بدوره (المعطل) لمؤسسات الدولة في لبنان. حزب الله ليس من صالحه إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وليس من صالحه تنصيب رئيس جديد يختار من قبل برلمان منتخب، طالما أن الحزب يستطيع إدارة اختطافه للدولة، عن طريق حكومة مؤقتة، تخضع بصورة مباشرة لسلطة الحزب وهيمنة أمينه العام. لقد نجح حزب الله بتمرير اختطافه للدولة اللبنانية، عن طريق الإبقاء على شكليات مؤسسات الدولة، في الوقت الذي يتحكم فيه الحزب بمفاتيح القوة الحقيقية في البلاد، دون ما حاجة لأن يظهر أمام العالم أنه من يمارس السلطة الحقيقية في لبنان ويمتلك مقدراتها، من أجل الإبقاء على شكل الدولة تفاديا لأي تعقيدات تنتج عن حقيقة سيطرة الحزب على الدولة في لبنان، يمكن أن تشكك في الهوية الدولية والإقليمية للبنان. شكليا: أمام العالم هناك دولة لبنانية، لكنها -في حقيقة الأمر- تتحرك ومسدس حزب الله مصوب إلى رأسها. فالحكومة اللبنانية أسيرة عند حزب الله، الذي سبق واختطف الدولة... ومع ذلك أمام العالم هناك حكومة لبنانية تتمتع بشكليات التمثيل والاتصال الخارجي، دون أن يفطن العالم أنه يتعامل، في ما يخص لبنان الدولة، مع فصيل اختطف الدولة وسلب منها كل امتيازات السيادة واختصاصاتها، دون ما حاجة لأن يظهر كونه مختطفا.. أو أنه يحتفظ بأركان الحكومة في لبنان أسرى لديه. في حقيقة الأمر: هذه أبشع صور الإرهاب الذي يمارسه حزب الله، في حق بلده المختطف لديه، وشعبه الأسير عنده. بهذا النوع المبتكر من الإرهاب الذي يمارسه حزب الله ضد لبنان وشعب لبنان، يكون حزب الله تجاوز كل خطايا الإرهاب التي اقترفتها تنظيمات إرهابية تقليدية، التي عادة ما تكون مرتبطة بسلوكيات عنف ضد أطراف دولية.. أو عمليات عنف متفرقة داخل مجتمعاتها تعبيرا عن صراع غير متكافئ على السلطة، لايستهدف... بل لا يقوى، بأي حال من الأحوال، الإضرار ببقاء الدولة واستمرارها. أبشع صور الإرهاب ذلك الذي يعمل على اختطاف الدول وأسر الشعوب.