الحرب والحب والمصير الإنساني الذي ربما لا يكون اختياريا، هي توليفة السرد التي مزجها الروائي المصري الدكتور محمد المنسي قنديل في أحدث رواياته «كتيبة سوداء»، والتي ناقشها الدكتور أحمد المصري والدكتور محمد عبدالحميد والأديب منير عتيبة مدير مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية. تحكي الرواية عن حقبة مغرقة في التاريخ، عن فئات مجتمعية متباينة، تشكل الفسيفساء المنوعة في رواية الدكتور محمد المنسي قنديل، كتيبة من الجنود السود ترحل إلى أرض غريبة، لا تعرف لغتها ولا أهلها ولا تضاريس أرضها، وعليها أن تخوض حربا لا تهدأ ضد عدو مجهول، بلا تردد ولا تراجع وإلا كان الموت مصيرهم، يشكلون جزءا من لعبة لا يعرفون مداها، تحركهم جميعا قوى دولية لا تكف عن التناحر، ولكن وسط هذا يستيقظ صوت الإنسان وهو يقاوم مصيره، بحثا عن لحظة من الحب والسكينة. قدم قنديل روايته باحترافية الطبيب الذي يشرح، ويهتم بكل التفاصيل، يظن القارئ أن «كتيبة سوداء» تعكس الواقع الحالي من تحالفات وحروب وخرائط تقسيم، في حين أنها رسم بانورامي جغرافي وتاريخي للحقبة التي يقاربها قنديل ويصف مجرياتها ووقائعها، وهي السنوات الممتدة بين العامين 1863 و1867، التي حفلت بالكثير من المتغيرات على الصعيد العالمي. ويشير قنديل في روايته إلى التوازنات والتحالفات في العالم الذي كان يشهد بداية تحول كبرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث الأساطيل والبوارج تجوب البحار والمحيطات باحثة عن حصص دولها من الثروات العالمية، وصراع القوى العظمى كان مستعرا بينها، فيتم تقسيم القارات والدول وكأن لا خيار للشعوب في تقرير مصيرها، أو كأن امتلاك القوة يبيح لها امتلاك البشر وقراراتهم وحيواتهم ومصائرهم. وأشاد مختبر السرد بإمكانات قنديل الذي استطاع أن يسبر بروايته في مسارين منفصلين، لا يلبث أن يقاطع بينهما ويضعهما في مسار موحد، المسار الأول عبارة عن تصوير لعالم القاع والمهمشين والخدم عبر اقتفاء أثرهم من عمق الغابة إلى جبهات الحروب، مرورا بالمراحل القاسية التي مروا بها في رحلة التشريد والضياع، ومشاركتهم أسرة سادتهم معهم تاليا، والمسار الثاني يكون اقتفاء لسير حكام وأباطرة وقادة يرسمون خريطة العالم الجديد، ولا يكترثون للأرقام البشرية التي تضيع أثناء استكمالهم لمشاريعهم وحروبهم.