عقدت يوم السبت الماضي في إيران انتخابات برلمانية لاختيار 290 عضوا في البرلمان الجديد.. كما عقدت، في نفس الوقت، انتخابات لاختيار 88 عضوا لمجلس الخبراء الجديد، الذي من أهم مسؤولياته اختيار المرشد الأعلى (القائد) والإشراف على أدائه، وكذا عزله. ترى هل نظام الثورة في إيران ديمقراطيا، مقارنة بالنظم الديمقراطية التقليدية، السائدة في أمريكا الشمالية وشمال وغرب أوروبا واليابان، أو حتى ببعض جزر الموز في أمريكا اللاتينية. النظرية والممارسة الديمقراطية تتكون من حركة ونظام للقيم. بعبارة أخرى: للديمقراطية وجهان (طقوس.. وجوهر أو مضمون). لابد أن تتكامل الحركة مع نظام القيم، حتى يمكن القول إن مجتمعا ما يمارس ديمقراطية حقيقية تقوم على مبدأ سيادة الإرادة العامة في اختيار رموز ومؤسسات النظام السياسي عن طريق المشاركة السياسية الحرة والواسعة، تحقيقا لمبدأ التداول السلمي للسلطة. مبدئيا يمكن الزعم بأن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران يأخذ بآلية الانتخاب لاختيار المرشد الأعلى (القائد)، وحتى أصغر موظف عام منتخب في المجلس البلدي. إلا أنه في حقيقة الأمر، هناك تجاوز لآلية الانتخاب هذه، لدرجة هامشيتها. على سبيل المثال: إذا ما اعتبرنا أن المرشد الأعلى جاء بانتخاب أو اختيار مجلس الخبراء (المنتخب)، إلا أن المرشد الأعلى يتولى سلطات أعلى من تلك التي يتولاها رموز منتخبون في أعلى سلم السلطة، فهو (القائد) الذي يصادق على تولي رئيس الجمهورية (المنتخب) لمهام منصبه..!؟ وهو أي القائد، له عزل رئيس الجمهورية (المنتخب)!؟. مع ذلك: يمكن القول، إن نظام الثورة في إيران يراعي الجانب الحركي للممارسة الديمقراطية، لدرجة الحرص على أن يكون تولي المناصب في سلطات النظام السياسي يأخذ بآلية الانتخابات، كما يحرص على إظهار روح التنافسية في آلية الانتخابات لتيارات متنافسة، تحاول استقطاب الشارع السياسي، والناخب، على وجه الخصوص. إلا أن الشق الآخر الأهم في الممارسة الديمقراطية الخاص بجوهر ومضمون الممارسة الديمقراطية الحقيقية تفتقر إليه تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران، بصورة خطيرة، لدرجة نفي اعتبار إيران تمارس، بحق، الديمقراطية. في واقع الأمر: نظام الجمهورية الإسلامية في طهران هو نظام «أتوقراطي»، يهيمن عليه رجال الدين، وليس نظاما ديمقراطيا يعكس الإرادة الحرة للشعب الإيراني عبر انتخابات عامة يتم خلالها اختيار رموز الدولة، من عامة الشعب المدنيين. بداية: هناك توجه في داخل نظام الثورة في إيران، لهيمنة رجال الدين على مقدرات الدولة، عن طريق تحري أن يكون جميع المتنافسين على المناصب العليا في النظام السياسي من الملالي، وليس كما هو متعارف عليه في النظم الديمقراطية من عامة الشعب. مجلس صيانة الدستور الذي يتكون من 12 عضوا يعين نصفهم المرشد الأعلى ويعين النصف الآخر رأس السلطة القضائية المعين، بدوره من المرشد الأعلى، من أهم وظائفه اختيار المرشحين للانتخابات العامة من طبقة الملالي، مستبعدا أي تيار مدني، حتى ولو كان له وزن سياسي على الصعيد الشعبي. فالمنافسة على المناصب العامة، في إيران، هي حكر على رجال الدين وحدهم، الذين يتم فرزهم ب«غربال» مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه الولي الفقيه مرشد الثورة (القائد). لا ضير، بعد ذلك، أن يتجمل النظام بافتعال منافسة من بين رجال الدين في شكل وجود تيارين (واحد إصلاحي والآخر محافظ) في محاكاة لنظام الحزبين في النظم الديمقراطية التقليدية مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا. هذان التياران الرئيسيان اللذان يتقاسمان كعكة الحكم في طهران، لا يعدو أن يكونا وجهان لعملة واحدة، يتقاسمان السلطة أو جزء منها بالتناوب، وكأنهما حزبان رئيسيان يتقاسمان ميول وتوجهات الهيئة الناخبة في المجتمع. الفروق بين هذين التيارين، ليست جوهرية.. إما تتناول قضايا اجتماعية هامشية كالمرونة من عدمها في شكل حجاب المرأة وعملها.. أو في «تكتيكات» ممارسة السلطة، أو بعض الاختلافات الهامشية في قضايا السياسية الخارجية، من حيث درجة ومستويات التعامل مع الأطراف الدولية الأخرى، وخاصة الغرب وبعض الجيران، مثل العرب. في التحليل الأخير: لا يمكن الزعم، بأي حال من الأحوال، أن نظام الثورة في إيران نظام ديمقراطي، رغم «بهرجة» المبالغة في التركيز على الجانب الحركي من الممارسة الديمقراطية، كما تظهر في «مهرجانات» الانتخابات العامة. نظام الثورة في طهران هو نظام «أتوقراطي» بامتياز يهيمن عليه الملالي من رجال الدين.