لم أكن أتوقع أن دولة الاحتلال الصهيوني تعيش حالة فقر مدقع ومرد ذلك التوقع كون الموساد الإسرائيلي عرض مبلغ مليون دولار لمن يأتي برأس الدكتور عوض القرني.. هذا استنتاج أولي والآخر يؤسس ليقين أن المطلوب لا يساوي إلا هذا المبلغ الزهيد. ويبدو أن الكيان الصهيوني لم يستطع بما أوتي من قوة وتقنية معلومات ورصد ودقة التصويب على الهدف اقتناص الدكتور عوض القرني عندما كان على أرض غزة يوجه أفراد حماس للمقاومة ولأنه جيفارا العصر الحديث تنقل بين دول عربية موزعا مخططات الثورات فكان على العرب أن يتكاتفوا لجمع مكافأة «محرزة» لمن يأتي بالدكتور عوض لأنه ساهم أو اشترك في تقويض أكثر من دولة عربية.. كان من المفترض أن يحدث هذا ليرتفع المبلغ قليلا!. لنعد للخلف قليلا، في نهاية الثمانينات اعتبر كتاب الحداثة في ميزان الإسلام للدكتور عوض القرني من الكتب التي أحدثت هزة وفرقة اجتماعية بين أطياف المجتمع، إذ اتخذ المؤلف موقفا عدائيا من كتاب الحداثة وقام بتصنيف الكتاب تصنيفا عقائديا ولم يترك أحدا ممن اختلف معه إلا ووصمه بالكفر والزندقة وحرض عليه المنابر والدعاة.. ولم يكن كتابا يحمل أفكارا بل كان كتابا يحمل سيفا مزق به عرى التواصل بين المثقفين وأفراد المجتمع وقد لقي الكتاب العنت بسبب مقولات التحريض والفرقة التي أطلقها الدكتور عوض وكان ضحايا ذلك الكثير ممن أصاب سمعتهم بالتشويه الأخلاقي وتبرع بإخراجهم من الملة. ومنذ ارتفاع أسهم كتاب الحداثة في ميزان الإسلام بين أفراد التيارات الإسلامية الحركية سارعوا لإفساح المكان وإقعاد الدكتور عوض القرني على مقعد المفكر بينما هو رجل لم يكن يمتلك من صفة المفكر شيئا، إذ إن المفكر يستطيع استيعاب المغاير والمختلف ويستطيع سبر أغوار منشأ التأزمات بين النخب ويستطيع إيجاد الحلول للتقارب والتآلف كل صفات المفكر لم يكن يتمتع بها الدكتور عوض تمتع فقط بخصلة وحيدة ومفرداتها الإقصاء والنبذ! ولأن الإخوان المسلمين يعرفون عدائية الدكتور عوض لكل ما هو مخالف لرأيه فقد أطلقوا عليه لقب (أسد الإخوان)، لما للأسد من بطش ووحشية يتلاءمان مع بيئته. ولأن «أسد الإخوان» أحبط مثله مثل بقية قيادات الإخوان في العالم عاد إلى اللعبة القديمة المتبعة من قبل حزبه القائمة على عناصر: التخفي والتغلغل وصولا لمرحلة التمكن.. عاد أسد الإخوان بحثا عن مراكز القوى عله يلعب دورا جديدا. وبالأمس استغربت أن يكون للدكتور عوض القرني محاضرة في نادي المدينةالمنورة عن الاختلاف الذي يقضي أن تتعايش كل أطياف المجتمع في تسامح وسلام، ومصدر الاستغراب أن الدكتور عوض أبعد ما يكون أن يكون داعية للتعايش السلمي فشخصيته أو انتماؤه أو حزبه مكونات تقوم على النبذ والإقصاء فكيف تكون هذه الشخصية داعية أو موضحة لكيفية الاختلاف وليس الخلاف. أما عن الوسم الذي أطلقه الدكتور عوض تحت عنوان «#عوض_القرني_يتحدى_رموز_العلمانية» فهو يحدد رعونة الفكر الذي يضع كلمة «تحدى» في حوار ثقافي أو ديني، إذ إن كل حوار يحدث للتقارب وليس للتحدي.. والتحدي مفردة تسل من بين مفردات البطش والسفك والسحل.. نعم هي مفردة لا يمكن لها أن تكون حاضرة في مجتمع متسامح.