صدمة السعوديين بخبر وجود مليون سعودي مقيم في الخارج، الذي فجره عضو في مجلس الشورى، أكبر مثال على عدم معرفتنا بطبيعة العالم الثالث الذي نعيش فيه. وأغلبنا كذلك يتناسى أن دبي النموذج المبهر في مقارناتنا التنموية أيضا هي مدينة من مدن العالم الثالث. فتجد السعودي إن أراد أن يقارن بين خلل أو قصور في خدمة معينة قارنها بالخدمات في دبي. لعل تلك المقارنة والنظرة التبجيلية عائدة إلى أنهم ينظرون لكمية الأسمنت والحديد في المباني وليس لكمية الوعي في العقول والنزاهة في تطبيق الأنظمة والقانون والعدالة المجتمعية. قبل نصف قرن كانت الوجهة مصر حين يقرر المواطن السعودي أن يهاجر. كان كتاب وشعراء سعوديون من الرواد يعيشون في مصر أغلب السنة إن لم تكن إقامتهم فيها دائمة، مثل الشاعرين حمزة شحاتة المقيم الدائم وحسين سرحان الزائر الذي لا ينقطع. إلى جانب تردد كثير من رواد الأغنية السعودية على مصر. كذلك متذوقو الفنون كانوا يقيمون أغلب الأوقات في مصر بسبب النشاط الفني فيها. وما زالت الإحصاءات تشير إلى أن أكبر جالية سعودية تقيم في الخارج هي الجالية التي تقيم في مصر، تليها الجالية التي تقيم في الكويت بسبب وحدة الأصول الأسرية بيننا وبينهم. وطبعا لم ننس الجالية الكبيرة التي تقيم في دبي لأسباب مختلفة، منها أن مؤسساتنا الإعلامية موجودة في دبي. أما أكبر جالية سعودية تقيم خارج الوطن العربي فهي الجالية السعودية التي تقيم في أمريكا. بعضهم من خريجي برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، فأحدهم استقطبته جامعته وأحدهم وجد وظيفة تناسب طموحه وتخصصه فقرر الإقامة في بلد الابتعاث لأن شبح العطالة عن العمل سيلاحقه في بلاده وإن وجد فيها وظيفة مناسبة فسيجد فوقها مديرا وصل لكرسي الإدارة بالواسطة أو التقادم أو وضع اليد. القلة القليلة من المهاجرين السعوديين هاجر هربا من نفسه. هربا من سعوديته. هربا من تضييق مجتمعه. الذي قد يفسقه ويسخر منه لأنه مختلف وأحيانا تصل الأمور لحد التكفير. الهجرة أمر طبيعي في الدول النامية ولا يستحق الأمر الصدمة التي عاشها الناس أو الدراسة التي يقترحها عضو مجلس الشورى. بل أذهب لأبعد من هذا وأقول إن هجرة السعودي لها ميزة وبالأخص إن لم يجتمع السعوديون في بلاد المهجر فقد تتغير الأجيال والأفكار والعادات. حتى إن قرروا يوما العودة يكونون رؤوس أموال ومستثمرين. يكونون شخصيات تنويرية تقود التغيير والإصلاح والفنون، فهم قادمون من خارج المشهد ويرون أكثر مما نرى في الداخل.