أثار إعلان السعودية استعدادها للمشاركة في عملية برية ضد «داعش» في سورية، أصداء إيجابية واسعة، بلغت ذروتها بإعراب البيت الأبيض عن ترحيبه بذلك، وإبداء وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر استعدادا للبحث في ذلك مع المسؤولين السعوديين. وفي المقابل، أثار حنق وقلق إيران، وزمجرة روسية. كما قوبل الإعلان السعودي باهتمام مماثل في العواصم الغربية المهمومة بمحاربة التنظيم الإرهابي. غير أنه يمثل اختبارا حقيقيا لجدية المجتمع الدولي في سحق الإرهاب الذي أضحى ينفذ هجماته الدموية في قلب العواصم الكبرى، ويهدد الحدود والحكومات ويسفك الدماء ويجند الشباب والرعاع لصفوفه. ولم يأت الإعلان السعودي لإرسال قوات إلى سورية من فراغ، أو لمجرد التمظهر السياسي، فقد ظلت المملكة تتلقى الانتقادات تباعا، بزعم أنها لا تفعل ما فيه الكفاية لضرب «داعش». ويتناسى هؤلاء في الصحافة الأوروبية والأمريكية أن السعودية مكتوية، قبل غيرها، بنيران الإرهاب، خصوصا إرهاب «داعش» الذي لا يفتأ يستهدف وحدتها الوطنية، من طريق إيقاظ فتنة طائفية، كمحاولاته اليائسة لتفجير المساجد الشيعية والسنية أيضا، وآخرها محاولة نسف مسجد الرضا في الأحساء منذ أسبوعين. ويتناسون أن السعودية كانت أول من تجرع علقم الإرهاب، حين كانت مجمعات الرياض والخبر وجدة السكنية، مطلع الألفية، هدفاً لوحوش «القاعدة». ويتناسى هؤلاء أن «القاعدة» و«داعش» لن يغفرا للسعودية أنها كسرت ظهريهما، وشتتت شملهما، في الميدان، ومن خلال تعاونها الأمني والاستخباري الذي أنقذ أرواح آلاف الآمنين في الغرب، طبقا لتصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ومسؤولي الاستخبارات الأمريكيين. هل وقفت الأمور عند هذا الحد؟ لا. يشمل التناسي إلحاح السعودية على ضرورة إنشاء مركز عالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب، تبرعت له ب100 مليون دولار. وجاء أخيرا إعلان السعودية -إثر جهود عسكرية ودبلوماسية نشطة- عن تكوين التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي تراضت دوله الأعضاء -ال45- أن تكون الرياض مقرا لعملياته التنسيقية. كل ذلك والسعودية لديها ما يكفيها هموما وانشغالات في المنطقة التي تحاول إيران ابتلاعها بدس أنفها في شؤون بلدانها، بتدخلاتها للهيمنة في سورية ولبنان والعراق واليمن. وإن كانت ثمة دلالة للتحدي الجديد الذي أعلنته الرياض، باستعدادها للتدخل بريا في سورية لسحق «داعش»، فهي تؤكد أنها لن تغامر بذلك وهي «مكشوفة الظهر»، إذ إن جبهتها الداخلية المتماسكة، ولحمتها الوطنية، التي استعصت على «داعش»، و«القاعدة»، وإيران وأذنابها، هما سندها، ومنعتها، وأمضى أسلحتها، وقوة العلاقات الخليجية - الخليجية مع تأمين الغطاء الدولي. وإذا كانت ثمة دلالة للترحيب الأمريكي والعالمي بإعلان السعودية، فتتمثل في أنه تعزيز لقيادة السعودية، ودورها المؤثر في الإقليم، وتأكيد لمكانتها في أمن العالم واستقراره الأمني والاقتصادي. وغني عن القول إن موقف السعودية ضد «داعش» نابع من قيم المملكة وسياساتها الراسخة والمعلنة. وإن كان الإعلان السعودي العسكري موجها ضد «داعش»، فهو في الوقت نفسه رسالة واضحة للغرب، تعبيرا عن قدرتها على حشد العرب والمسلمين متى ما تطلب الأمر، ما يستلزم وحدة القرار الدولي لمواجهة إرهاب «داعش»، بدلا من استمرار النظام وحلفائه في تهجير وقتل الشعب بحجة محاربة «داعش»، فيما الأوضاع على الأرض لا تتغير وإنما تزداد سوءا. ويستدعي ذلك استذكار ما قاله ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نهاية نوفمبر الماضي من أن «داعش» نشأت كرد فعل ضد الوحشية تجاه العراقيين السنة، من قبل حكومة نوري المالكي الشيعية الموجهة من إيران، وضد سحق السوريين السنة من قبل حكومة دمشق المدعومة إيرانيا. وقال الأمير محمد: «لم يكن هناك داعش قبل أن تغادر أمريكاالعراق. غادرت أمريكا، ودخلت إيران، ثم ظهرت داعش». ولعل أبلغ تجسيد لما تتلقاه السعودية من اتهامات وفبركات ممن لا يطيقون صبرا على الاطلاع ومعرفة حقيقة كل ما يدور في المنطقة، ما قاله ولي ولي العهد للكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» توماس فريدمان، «إنه في الوقت الذي قام فيه «داعش» بتفجير مساجد في السعودية، سعيا لزعزعة البلاد وإثارة الطائفية، أخذ العالم يتهم السعودية بإلهام «داعش»، «الإرهابيون (داعش) يقولون إنني لست مسلما. والعالم يقول إنني إرهابي». ومهما يكن شأن الانتقادات والاتهامات، ومهما كانت خسة المرامي الإيرانية، والمصالح الغربية، ومخططات الإرهاب، فإن السعودية باقية عنصرا قياديا مؤثرا وفاعلا في المنطقة والعالم، مسنودة بجبهتها الوطنية الموحدة، وتأييد حلفائها من العرب والمسلمين وغيرهم. الأكيد أن متغيرات السياسة الإقليمية والدولية والتطورات المتسارعة في الإقليم حتمت على المملكة أن تتخذ قرارات احترافية كبيرة توازي حجم التحديات والتهديدات لتجنيب المنطقة شرور الإرهاب وكبح التدخلات الخارجية.