قبل أكثر من 1400 عام لم تجعل الدولة في الإسلام أمر الزكاة خيارا شخصيا واجتهادا فرديا وفقا لرغبات وحسابات البعض ومصالحهم بل أساس ديني وسياسي يفرض الاستعداد الكامل لدى الدولة لاستخدام كل سلطاتها لأجل تنفيذ هذا الركن الوحيد الملزم وغير القلبي في أركان الإسلام !! ولذلك كان من أهم الأسباب الرئيسية لنشأة حروب الردة وأقصد هنا في مراحلها الأولى ليس كما شاع عند بعض المؤرخين والمستشرقين منهم تحديدا في أن العرب ارتدوا جميعا عن الإسلام وعادوا برمتهم إلى عبادة الأوثان، فالثابت تاريخيا أن بعضا من القبائل العربية منعت تأدية الزكاة إلى الخليفة الراشد أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- بمعنى هم لم يرفضوا دفع الزكاة على الأغلب بل منعوا تأديتها إلى المدينةالمنورة بحجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات واحتجوا بأن الأمر كما جاء في الآية الكريمة «خذ من أموالهم صدقة» خاص ومقيد بالنبي المرسل عليه الصلاة والسلام.. ولقد نقلت المصادر التاريخية معارضات من كبار الصحابة في بداية الأمر للموقف الصائب للخليفة الراشد أبي بكر الصديق ومن هؤلاء الصحابة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولست هنا بصدد الحديث عن حروب الردة وأسباب نشأتها، ولكن ما يهمني في ذلك هو كيف أن الدولة الإسلامية في بداية نشأتها كانت واعية للدخل المتأتي من الزكاة كركن من أركان الإسلام، ومدركة تمام الإدراك أن أكبر ما يمثل سلطة الدولة المركزية في الإسلام هو تحصيل الزكاة باتجاه مصدر واحد يمثل سلطة الدولة التي تقوم فيما بعد بصرف هذا الدخل وتنظيمه وفق الوجوه التي جاء بها أمر الزكاة. والأمر كان كذلك عند نشأة الدولة السعودية، حيث تذكر العديد من المصادر كيف اهتم الملك عبدالعزيز يرحمه الله بالتنظيم الإداري لجباية الزكاة وتمكين عمالها من تحصيلها، حيث كانت جباية الزكاة إضافة لزيادة الدخل أحد أهم العوامل التي ركزت السلطة وبسطت نفوذ الدولة وعززت من وحدتها، لكننا ومنذ ذلك العهد لم نتقدم كثيراً في جانب تحصيل الزكاة على العموم أفرادا ومؤسسات فلم نؤسس إلى الآن نظام زكوي صارم يشبه الأنظمة الضريبية الحديثة، كما أن إخراج الزكاة من الأفراد مازال مزاجياً ويخضع لاجتهادهم الفردي، إضافة إلى عدم وجود قاعدة بيانات وطنية شاملة لمستحقي الزكاة حتى نضمن وصولها للجميع بعدالة، فضلا على ضرورة إدارة المال الزكوي بطريقة استثمارية.. ولعل من الغرابة أن تستنفر الجهود -ولا اعتراض على ذلك- في مصلحة الزكاة والدخل لأجل جباية زكاة الأنعام في أرجاء المملكة في بلد يعد فقيراً في ثرواته الحيوانية بينما تتغافل عن الأرصدة المالية والعقارية في حسابات الجيوب الممتلئة..!! إننا نتطلع بصدق أن يسفر برنامج التحول الوطني عن تفعيل للركن الخامس وأن تصبح الزكاة في بلادنا مصدر دخل رابع أو ثالث للدولة لا يترك فيه مجال لتقوى فرد أو مؤسسة في أن يتهاون أو يتحايل في إخراجها !! [email protected]