في مقالين سابقين حاولت الإجابة على هذا السؤال بإستعراض أوضاع المسلمين والعرب وما جرى من مآسي في بعض البلاد . وإستكمالاً لهذا الإستعراض أقول:- إن الأوضاع في الجزائر أوشكت أن تلحق بأخواتها في تونس وليبيا لولا تصرفات الحكومة بمنتهى الحذر ,كما أن الضربات التي قامت بها القوات الجزائرية في جنوبالجزائر والقوات الفرنسية في مالي قد أجهضت جهود الحركات المتطرفة في إيجاد موقع مميز لها في هذين البلدين ( الجزائر ومالي ) إلا أن ذلك لم يخرج الجزائر عن دائرة الخطر. أما ما كان من أمر المغرب فهو قمة الحصافة والسياسة و الذكاء , وأعتقد بأن الأوضاع في المغرب والحمد لله مستقرة وهناك مشاريع ضخمة و محاولات لتحسين الإقتصاد وما يترتب عليه من تحسين لحياة المواطن الشيء الذي يجعل هذا البلاد في منأى عن أي تفاعلات قيصرية في المدى المنظور. وبالنسبة لموريتانيا ، فرغم حكم العسكر والمدنيين لم تستطع الحركات الإسلامية فيها أن تحقق أي مكاسب على أرض الواقع لتدخل فرنسا من جانب ومن جانب آخر لضعف هذه الحركات لكونها شمالية تنبع من الجزء الفقير الصحراوي المجاور للصحراء المغربية ولاتجد مصدراً خارجياً فاعلاً لتمويلها , كما أن الجنوب الغني نوعاً ما يتأثر بالأحداث في السنغال الذي يعد بلداً مسلماً معتدلاً ينأى بنفسه عن الدخول في الصراعات بين المتطرفين و غيرهم في الدول المجاورة منذ عهد الزعيم السنغالي سنغور . هذا استعراض لحال بعض دول العالم العربي الإسلامي إلى حد ما ، لنحاول أن نشخص هذه الأمراض التي أصابت أمتنا الإسلامية والعربية , فأقول وبالله التوفيق :- بادئ ذي بدء أقول إن ما سأسرده من الوقائع التاريخية هو من حفظ المخزون في الذاكرة لذلك سأبتعد عن التفصيلات وذكر التواريخ والأعداد التي تحتاج إلى توثيق لسنا بصدده وإنما المقصود الإشارة إلى المنعطفات التاريخية التي واجهت الأمة فافترقت عندها إلى فرقتين أو أكثر بعيداً عن المطلوب من الوحدة التي كان عليها الحال في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وتحليل ناتج هذه المنعطفات إنما هو من عندي وليس نقلاً عن أحد فإن وفقت فمن الله وإن أخطأت فمن عند نفسي . لما انقطع هذا الوحي بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الخلاف يدب بين نفوس الذين لم يستسلموا لآراء الرجال استسلامهم لقول الوحي الفصل فكان أول خلاف قولهم منا أمير ومنكم أمير مما حدا ببعض كبار الصحابة إلى ترك المدينةالمنورة والرحيل إلى الشام , وآل الأمر إلى الصديق أبي بكر رضي الله عنه. وعندما ارتدت العرب لفهمهم أن ما كانوا يؤدونه من زكاة إنما هي أموال كانوا يؤدونها للنبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم ويباركهم اعتقاداً من عند أنفسهم لذلك , فبمجرد وفاته صلى الله عليه وسلم أنكرت هذه القبائل هذا الركن وامتنعت عن دفع الزكاة فكان رأي الخليفة الأول أبا بكر الصديق هو حرب الممتنعين عن دفع الزكاة وكان هذا الرأي مهماً لتأسيس فهم منهج الإسلام لذا اجمع عليه أغلب الصحابة رضوان الله عليهم , وقال رضي الله عنه مقولته المشهورة : ( والله لو منعوني عقالاً كانوا يدفعونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ) , بينما ارتأى بعض الصحابة تأجيل قتال من ترك الزكاة والبدء بمن ارتد عن الإسلام كلية . ولكن الصحابة الذين تربوا في مدرسة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على طاعة الأمير وأنه من طاعة الله تركوا رأيهم لرأي خليفتهم دون أن يوغر صدروهم انقيادهم ونزولهم عن رأيهم لرأي غيرهم . لقد صدق الله فصدقه الله وألقى في قلبه فهماً عند هذا المنعطف بأن قتال جميع المرتدين أولى من ترك هؤلاء الذين أمسكوا عن دفع الزكاة , فكان لا بد من إجبارهم عليها ليعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بمنهج كامل يقوم على خمسة أركان أحد أركانه هذه الزكاة التي أبوا دفعها إلى خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبتعطيلهم لهذا الركن خرجوا من منظومة الإسلام إلى منظومة من يحاربه بتعطيل ركن منه فكانت حروب الردة التي استشهد فيها عدد كبير من الصحابة رضوان الله عليهم. هذا المنعطف في مسيرة الأمة على شدة أهميته قد أثر شوكتها بفقدان الكثير من أفرادها الأعلام وحفاظ كتاب الله من الذين أخلصوا دينهم لله ورسوله رضي الله عنهم وأرضاهم . ( يتبع )