الخصخصة توجه اقتصادي استراتيجي تتجه له الدول لتحقيق أهداف عديدة من أهمها رفع كفاءة الأداء والإنتاجية للمؤسسات والشركات الحكومية. ومن الأهداف الأخرى، تتجه بعض الدول إلى خصخصة شركاتها الخاسرة التي تعتبر عبئا على ميزانياتها، وبالتالي تعمل على تخفيف الأعباء المالية من على اقتصادها، وتنجح أحيانا في هذا التوجه ولكنه يخلف سلبيات منها تسريح لعمالة الشركات وفقدانهم لوظائفهم. واتجهت بعض الدول لإنشاء الشركات الحكومية لأسباب عديدة، منها عدم قدرة القطاع الأهلي القيام بمشاريع تنموية عملاقة تحتاج إلى تمويل ضخم لا يستطع القطاع الأهلي توفيره، فتقوم الدولة بإنشاء الشركات الحكومية وتترك جزءا بسيطا لمشاركة القطاع الأهلي رغبة في إشراكه في تحمل المسؤولية، وتخطط الدولة تدريجيا لنقل الملكية للقطاع الأهلي عن طريق بيع حصصها تدريجيا عندما تتأكد من نجاح الشركات الحكومية وتصل إلى أهدافها. وأجزم أن هذا ما قامت به حكومة المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الشركات الحكومية سواء القديمة منها أو الجديدة أو التي تخصص لها مستقبلا لتحويل بعض خدمات الدولة إلى شركات مساهمة تملك الدولة الجزء الأكبر منها، والأمثلة على الشركات المساهمة التي أنشأتها الدولة كثيرة، منها على سبيل المثال وليس الحصر شركة سابك تملك الدولة فيها نسبة 75 % من رأس المال ومقداره 30 مليار ريال ووصل سعر السهم الأسبوع الماضي حوالى 77 ريالا، والشركة السعودية للكهرباء التي أسست برأس مال 40 ملياراً ونصف المليار ونسبة ملكية الدولة في رأس المال 74.31 % ووصل سعر السهم تقريبا الأسبوع الماضي 14.2 ريال، وشركة الاتصالات السعودية أسست برأس مال 20 مليار ريال ونسبة ملكية الدولة 70 % وسعر السهم الأسبوع الماضي تقريبا 60.25 ريال، وشركة تعدين برأس مال 9.35 مليار ريال وتملك الدولة نسبة 50 % وسعر السهم تقريبا الأسبوع الماضي 29.0 ريال، وشركة سافكو برأس مال 4.1 مليار ريال وتملك الدولة 43.9 % ووصل سعر السهم تقريبا في الأسبوع الماضي 63.5 ريال. ويصل عدد الشركات التي تملك فيها الدولة حصصا حوالى 33 شركة سعودية مساهمة، ويتوقع حسب التوجه الجديد من الهيكلة الاقتصادية القادمة، أن يرتفع عدد الشركات المخصصة إلى خمسين شركة، حيث يتوقع أن تتجه الدولة إلى خصخصة بعض الخدمات الصحية والتعليمية والخدمية مثل الطرق والمطارات وسكك الحديد والموانئ وخدمات مشاعر منى وأملاك الدولة من أراض في مواقع استراتيجية، وهو مما يؤكد أن الدولة تملك أساسا قويا يدعم اقتصادها، وبالإمكان أن تلجأ الدولة إلى تخفيض نسبة ملكيتها في الشركات التي تساهم فيها والتي انتهى الغرض من المساهمة فيها. وتستطيع الدولة أن تغطي عجزها في ميزانيتها من بيع نسب من حصصها في الشركات المساهمة عوضا عن طرح سندات حكومية قد تسحب السيولة من البنوك مما يضعف من قوة الإقراض للبنوك. إن بيع أسهم الدولة في الشركات السعودية، سوف يثري الأسهم المتداولة في سوق الأسهم ويفتح فرص استثمار فيها أكبر للمواطنين، وإذا كان الجواب على اقتراحي هو أن سياسة الدولة الحفاظ على احتياطي نقدي يمثل ملكيتها في الشركات، فإن ردي على ذلك هو أن أكبر احتياطي قابل للتحويل إلى نقد هو مخزون المملكة من النفط والذي يقدر بحوالى 268.4 مليار برميل وبالإمكان تخفيض الإنتاج لزيادة المخزون، وللمملكة مخزون من الذهب حوالى 322.9 طن، ويقدر احتياطي المملكة من النقد الأجنبي حتى أواخر شهر يونيو 2015 حوالى 664.5 مليار دولار. وتملك المملكة من سندات الخزانة الأمريكية حتى نهاية يونيو 2015 ما قيمته حوالى 483.3 مليار دولار، ولديها ودائع لدى البنوك في الخارج تقدر بحوالى 119.7 مليار دولار (هذه معلومات منشورة وغير سرية)، وهذا يطمئننا نحن كرجال أعمال وكمواطنين على قوة اقتصاد بلادنا ولا داعي للقلق والخوف مع ضرورة الترشيد في الإنفاق. وأتمنى أن لا يجتهد البعض بآراء ومقترحات لدعم إيرادات الدولة عن طريق إضافة أعباء مالية جديدة على المواطن من خلال خصخصة بعض الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة لشعبها، لأن القطاع الخاص إذا تم تخصيص الخدمات الحكومية لن يقدم أي خدمة مجانية للمواطنين أو المقيمين، وستكون إضافة إلى الأعباء التي يتحملها المواطن. كما أتمنى أن لا تؤدي الخصخصة إلى الاستغناء عن العمالة السعودية بحجة تقليص المصروفات. أما إذا كانت الأهداف الرئيسية من الخصخصة رفع الأداء وزيادة الإنتاجية، فنحن معها شريطة أن لا تضيف الخصخصة أعباء على المواطنين. كاتب اقتصادي سعودي