يقول الدكتور صالح القلاب، وزير الإعلام الأردني الأسبق، إنه تلقى في مطلع الثمانينيات حين كان صحافيا دعوة من نظام الخميني لحضور إعدام مئات من الإيرانيين الذين أخرجوا وقتها من سجون الشاه وحكمت عليهم الثورة، بفتوى من الخميني، بالقتل فورا على الملأ. أي أن الإيرانيين كانوا يوزعون تذاكر الطيران وغرف الفنادق لكي يحضر المدعوون وجبات الموت اليومية التي كانوا يتلذذون بها وبتطيير أخبارها عبر وكالات الأنباء والصحف. وكما اعتذر القلاب عن هذه الدعوة الغريبة لا بد أن إعلاميين آخرين حول العالم اعتذروا أيضا لأنهم لا يريدون أن يكونوا شهودا على أزيز الرصاص وهو يخترق الصدور دون أن يرف للملالي جفن. أورد ذلك الآن لكي يفهم الناس مكاييل الإيرانيين حين يتعلق الأمر بهم وحين يتعلق الأمر بغيرهم، وكيف انتفضوا ضد إعدام المملكة لإرهابيين ومجرمين يهددون أمنها وسلامة مجتمعها بينما هم يضربون أمثلة كبرى على (طغيان) ولاية الفقيه التي لا تتردد ولا تستحي من إقامة وجبات الموت هذه على مدى ست وثلاثين سنة في الشوارع وعلى نواصي الطرق والأزقة. لا تضحك إيران إلا على اثنين في موقفها من إعدام نمر النمر، إما ساذج يسير خلف ادعاءاتها وماكينتها الإعلامية دون تفكير، أو متآمر معها ومؤيد لأجندتها العدوانية في المنطقة مثل حسن نصرالله في لبنان والحوثيين في اليمن وبعض الجيوب الشيعية الموالية لها في العراق أو في دول أخرى نخرت سوستها الطائفية في بعض مكوناتها الشعبية. الذين يقرأون التاريخ والمطلعون على الواقع الإيراني الأسود لا يمكن أن تنطلي عليهم مسحة الإنسانية أو مسوحات الرأي السياسي التي تتلطى بها إيران. الثورة الإيرانية هي التي اخترعت، منذ قيامها إلى الآن، الإعدامات السياسية كما اخترعت الاعتداء على مقار البعثات الدبلوماسية متجاوزة كل المواثيق والأعراف الدولية. وهي، أيضا، التي يتذاكي سياسيوها في المحافل الدولية حين يحشرون في الزوايا الضيقة ويبررون بعض الأفعال بأنها تحدث خارج مظلة النظام. وأنا على يقين تام بأن ما أراد الإيرانيون استغلاله ضد المملكة في مواقفهم الأخيرة انقلب ليصبح في غير صالحهم بعد أن فتش العالم في دفاترهم وأخرج ما يرغبون بنسيانه أو كتمانه عن عيون الإعلام والناس. ليست إيران، بأي حال من الأحوال، هي التي تلقن الآخرين دروسا في الإنسانية والسماحة والعفو، بل هي المدرسة الكبرى التي تؤطر للشر وتضع له مناهج واستراتيجيات وتحتفل بوجبات الإعدام المجانية. ولذلك على الخليجيين الذين سيجتمعون اليوم في الرياض والعرب الذين سيجتمعون غدا في القاهرة لمناقشة إساءتها للمملكة أن يفهموا إيران على أساس كونها محورا مؤكدا للشر يتهددهم جميعا ولا يستثني منهم أحدا، لأن أي دولة عربية ستحاول صياغة موقف مختلف من إيران يتناقض مع حقيقة ما هي عليه فإن هذا الموقف لن يصب في النهاية في صالح هذه الدولة على المستوى القُطري ولن يكون حتما في صالح العرب ككل على المستوى القومي.