أعاد التصريح الذي نشرته «عكاظ» يوم السبت الماضي لوكيل وزارة الصحة للخدمات العلاجية، قضية الأطباء السعوديين إلى دائرة النقاش، عندما أكد توجه الوزارة لتحسين رواتب الكوادر الصحية من السعوديين وغيرهم أخذا في الاعتبار كل الظروف والعوامل والاعتبارات التي توصل إلى المعادلة الصحيحة. وفي اليوم التالي للتصريح نشرت «عكاظ» حوارا مع بعض الزملاء الأطباء الذين كرروا ما يقال منذ وقت طويل عن الخلل في كادرهم ونظام خدمتهم مما يؤدي بهم إلى نهاية سيئة عند التقاعد، وتلخصت آراؤهم في ضرورة احتساب البدلات، خصوصا بدل التفرغ وبدل الندرة إلى الراتب الأساسي، وتمديد سن التقاعد إلى 65 سنة وخفض سنوات الخدمة إلى 35 سنة. هذا الموضوع لم تتوقف المطالبة به منذ فترة طويلة، وفي وقت ما سمعنا أنه سينفذ لكن ذلك لم يحدث. وبدلا من حسمه بشكل واضح ابتدعت الوزارة بدلات تقديرية خلافية كبدل التميز والإشراف متروكة لتقدير المسؤولين ومزاجهم دون ضوابط ومعايير واضحة ومحددة، وفي كل الأحوال فإنها لا علاقة لها بالقضية الأساسية المتمثلة في ضمان المستقبل التقاعدي للطبيب. قصة الطبيب السعودي مع النظام لا تخلو من الإثارة، فعندما يتخرج في سن 25 أو 26 سنة فإنه يبدأ رحلته الأصعب في التخصص الذي قد يأخذ مدة مماثلة لمدة البكالوريوس أو أكثر، وبنصف راتبه الأساسي طوال هذه المدة وهو مبلغ مجحف ومخجل، وإذا حالفه الحظ وانتهى من تخصصه دون عوائق فإنه سيبدأ مرحلة الاستقرار الوظيفي وهو في العقد الرابع من عمره، وممنوع عليه العمل في أي مكان آخر عندما يكون من منسوبي وزارة الصحة بحكم بدل التفرغ الذي يأخذه. هنا إما عليه التحايل على النظام كما يفعل البعض لزيادة دخله أو يتحلى بالأمانة وأمره لله. وكلها سنوات معدودة ثم يصل سن الستين ليجد أن راتبه التقاعدي أصبح جزءا بسيطا من راتبه الأساسي لا يساوي دخل يوم واحد لطبيب في القطاع الخاص. قد يقول قائل إن الطبيب باستطاعته العمل لنفسه أو في قطاع آخر بعد التقاعد، هذا صحيح لكنه ليس مبررا لمعاملته تقاعديا بهذا الشكل المشين، كما أنه ليس كل طبيب يريد العمل بعد تقاعده، وإذا أراد فلا يجب أن يكون بدافع الضرورة لسد الفجوة بين الراتب التقاعدي وضرورات الحياة. إنه يلتحق بالوظيفة متأخرا ويطبق عليه نظام مجحف لينتهي وكأنه قد بدأ للتو. إلى الآن ونحن نعاني من النقص الحاد في نسبة السعوديين في القطاع الصحي، ولم تتجاوز نسبة الأطباء 20 في المئة، ومع ذلك تريد وزارة الصحة استقطابهم والاستحواذ عليهم بنظامها وكادرها الذي يلفظهم في سن الستين بفتات التقاعد وهي تعرف جيدا أن البدائل أمامهم أفضل بكثير، وبالتالي فإن أضعف الإيمان أن ترفع رواتبهم الأساسية وتضم لها بدل التفرغ والندرة وترفع سن التقاعد إلى 65 لعلها تحافظ على الموجودين لديها على الأقل.