وزارة التعليم اتخذت حزمة من الاجراءات والتدابير للحد من ظواهر العنف في المدارس او التقليل منها بعدما تمدد السلوك المرفوض بصورة تدعو للقلق خصوصا في المدارس الابتدائية. صحيح ان العنف في طبيعته سلوك فطري عند بعض المراهقين وهي السن الغالبة عند طلاب المدارس بمراحلها المختلفة، لكن المتتبع للملف يلحظ ان سجل المدارس الابتدائية هو الزاخر، في طرفيه؛ المعلم من جهة والطالب من جهة اخرى.. ولا تعدو الحالات غير الصفع والجلد والعقاب البدني بالسلك او العقال.. واحيانا يتمحور العنف بين الطلاب انفسهم مثل المشاجرات والعنف اللفظي والترصد وغالبا ما تحدث هذه الاختراقات في نهايات العام الدراسي. مثل هذه الحوادث التي تسرب كثير منها الى الاعلام كان لها أثرها السلبي على الاطفال المتضررين وأسرهم وقد تبقى ترسباتها النفسية طوال مشوارهم التعليمي. وهو امر دعا «عكاظ» الى فتح الملف ومناقشته مع التربويين والآباء والباحثين الاجتماعيين والنفسيين. أياد بيضاء مدير التعليم في محافظة جدة عبدالله الثقفي ذكر في لقاء سابق ان العلاقة بين المعلم والطالب في الأصل علاقة أبوية، إطارها الاحترام والرحمة «اذا أخفتني لا يمكن أن أتعلم منك أبدا»، وهو ما سيكون عليه وضع الفصل الدراسي كاملا إذا ما كانت العلاقة بين الطالب والمعلم مبنية على الخوف فرسالة التعليم لا تقوم على التوتر في العلاقة السامية، وعليه فقد شددت وزارة التربية والتعليم على قرار: ممنوع الضرب.. ثم ممنوع.. ثم ممنوع. وأضاف الثقفي: لعل من محاسن الصدف أن إدارة تعليم جدة وقعت مؤخرا اتفاقية مع إحدى مؤسسات المجتمع المدني تحت مسمى «أياد بيضاء» تهدف إلى تأصيل المحبة في علاقة المعلم بالطلاب، وهو الأصل الذي يجب أن يبقى في تلك العلاقة الرائعة. الضرب ممنوع السلوك العنيف لبعض المعلمين حالات شاذة ولا تعبر عن واقع التعليم. الثقفي اشار إلى أن سيرة معلم البشرية وقدوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرد فيها أنه رفع عصا أو أغلظ في خطابه نحو من علمهم وأخذ بأيديهم للعلم والهداية، وهو ما يجب أن يكون نصب أعين المربين، مشددا على أن سلوكيات بعض المعلمين ضد الطلاب لا تعكس التوجه العام لسير العملية التعليمية والتربوية، وتلك السلوكيات ما هي إلا حالات شاذة، وخروج عن النمط المعتاد، بل لا يجب أن تنتهك خصوصية الطلاب والطالبات، فهم أمانة، وليس هناك ما هو أهم منهم.. ونظاما في وزارة التربية والتعليم كفيل بردع أي تجاوزات في المدارس، وهنا أؤكد مجددا أن الضرب ممنوع.. والعنف بجميع أشكاله ضد الطلاب غير مقبول. حنان الامومة طلاب التمهيدي يجدون معاملة الأم الحنونة من المعلمات. المعلمون الذين يقودون عملية التربية والتعليم، وهم الطرف المتهم في ملف تعنيف الطلاب بالمرحلة الابتدائية كانت لهم آراؤهم المتفاوتة. وارجع المعلم محمد عثمان باوجيه حالات تكرار العنف ضد الطلاب الصغار الى قلة خبرة المعلم وعدم تأهيل المعينين حديثا منهم في المدارس الابتدائية، بالاضافة الى افتقاد بعض المعلمين لاحساس الابوة وللحنان تجاه هذه النوعية من الطلاب حيث تتطلب التفاعل مع طفولتهم البريئة بحكمة وثبات. واضاف: طلاب المراحل التمهيدية حيث يسبق دخولهم للمدرسة عادة ما يجدون التفاعل مع مطالبهم من قبل معلمة الفصل التي تقاسمهم حنان الامومة بنفس المستوى، وكأنهم في منازلهم. ويستطرد باوجيه: لو وفر المعلم في المرحلة الابتدائية لطلابه احساسهم بالابوة، لما وقعت منه التجاوزات بحق هؤلاء الطلاب وتكررت من حين لآخر، رغم وجود اساليب عدة للتوعية ولتقويم السلوك، بدلا من الضرب والتعنيف. واختتم: لدي ابن يدرس في الصفوف الاولى بالمرحلة الابتدائية، واكرمني الله سبحانه وتعالى بمعلم يتولى تربيته وتعليمه على أفضل وجه وكأنه يقوم مقامي في تربيته ومتابعته.. فجزاه الله كل خير، ويا حبذا لوكان جميع المعلمين على مستوى هذا المعلم القدوة. الطرح الإعلامي الطرح الاعلامي يصور المعلم وكأنه وحش كاسر لا هم له إلا ضرب الاطفال. المعلم أيمن مكي الحربي يصف تجاوزات المعلمين بالقليلة، وان الطرح الاعلامي يضخم هذه الحالات وكأن المعلم جاء ليبطش بالطلاب لا ليعلمهم ويربيهم التربية السليمة. ويقول: عندي عدة ابناء في المرحلة الابتدائية، ودائما ما أواجه شكاواهم من عقوبات معلميهم بالقول «لو لم تفعل شيئا يستحق العقاب، لما عوقبت»، والمعلم في النهاية «أب» لديه ابناء، ولديه الشعور بالابوة والمسؤولية وكم من أبناء جيلي عوقب على أيدي المعلمين فأصبحوا من الناجحين في الحياة. وعلى النسق ذاته يتحدث ماجد الثقفي مدير احدى المدارس الابتدائية ويضيف: لا يخفى على الجميع التحذير والوعيد والنهي الشديد الذي نهى فيه صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه، كما أن دراسات علماء النفس اثبتت انخفاض قدرات ذكاء الاطفال نتيجة تعرضهم لضرب الوجه في العملية التعليمية ومن باب احقاق الحق فإن وزارة التعليم وادارات التعليم ومكاتب التعليم جميعها تنادي بمنع الضرب بل وبمنع العقاب البدني او اللفظي، كون علاقة المعلم بطلابه ليست فقط علاقة تعليم، بل اكبر من ذلك فهي علاقة اب مع ابنائه يبذل كل شيء من اجلهم بقلب كله رحمه وهذا هو المعلم الذي نريد. القدوة الطيبة ولي أمر طالب: أشعر بالمرارة والحزن لما ينشر عن اعتداءات المعلمين على الطلاب. محمد المطيري اب لطالب، يرى انه ليس من حق أي معلم التجاوز بضرب الطلاب خصوصا في المرحلة الابتدائية. وقال إن ضرب الاطفال الصغار بالصفع او الجلد او بأي وسيلة تسبب الضرر الجسدي والنفسي للطالب وليس ذلك من تعاليم الاسلام الحنيف، ولا من هدي نبينا معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه). وكان الرسول صلى عليه وسلم ينادي صغار الصحابه بأحب الاسماء اليهم، ويمازحهم، ويشوقهم للعلم ويحثهم اليه بأسلوب محبب للنفس. واضاف: أشعر بالمرارة حين اطالع من حين لآخر قصصا عن تجاوزات بعض المعلمين بحق الطلاب الصغار، ولا ادري متى تنتهي هذه القصص، وما هي العقوبات الرادعة الضامنة لعدم تكرارها. متى تنتهي التجاوزات لن تنتهي إلا بوضع أنظمة واضحة المعالم وموحدة لمحاسبة المنفلتين. على النسق ذاته يضيف محمد يحيى: اود أن اوجه سؤالا في هذا الامر لوزير التعليم: لماذا تختلف العقوبات وآلياتها ضد المعلمين المتجاوزين بحق الطلاب؟ ولماذا لا يعاقب المعلم بالفصل اسوة بالطلاب المعتدين على معلميهم في المراحل الثانوية؟ ولماذا تتركز تجاوزات المعلمين على الطلاب في المراحل الابتدائية مقارنة بالمراحل المتوسطة والثانوية؟ لو تعدى المعلم على احد المارة في الشارع بالصفع او الجلد بالعقال، فهل سيترك دون رد فعل من المعتدى عليه أو دون أن يقبض عليه من قبل الجهات الامنية؟ ومن ثم يخضع للتحقيق في الجهات المعنية ويحكم عليه القضاء العادل. ويتساءل: لماذا اذن تضيع حقوق ابنائنا الصغار في المدارس بين لجان ادارات التعليم، وتنتهي بلفت نظر في ملف المعلم في كثير من الاحيان دون رد الاعتبار للطالب وأسرته. واختتم يحيى: اجزم أن تجاوزات المعلمين لن تنتهي بحق طلابنا، ما لم تكن هناك معالم واضحة للعقوبات يطمئن لها ولي الامر بأن ابنه بعد حفظ الله.. في أيد أمينة ولن يكون عرضة لأي تجاوز. أخضعوا المتقدمين للمهنة للفحص العصبي خلود ناصر المحاضرة في قسم علم النفس بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة أن المعلم هو القدوة والنموذج الأساسي الذي يحتذي به الطلاب، بل قد يفوق تأثيره تأثير الوالدين أنفسهم لعظم مكانته في نفوسهم ولطول الوقت الذي يقضونه معه. وقالت: لو تأملنا دور المعلم، لأدركنا عظم وضخامة المسؤولية التي تقع على عاتقه، فهو يسقي أبناءنا من بحرعلومه وتجاربه ليكونوا قادة وناجحين ومؤثرين لهم بصمتهم الواضحة في رقي المجتمع. واستدركت: إلا أننا لاحظنا في الآونة الأخيرة وقوع ما يؤسف له من حوادث أقل ما يقال عنها إنها «مجردة من الإنسانية» تصدر من بعض المحسوبين على العملية التعليمية من معلمين غير أكفاء تتمثل في الاعتداء العنيف على فلذات وتضيف: من وجهة نظري، أرى أن هناك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى مثل هذه الاحداث المأساوية من ضمنها: الخلل في تفكير المعلم وتفسيره للمواقف والأحداث الصادرة من بعض الطلاب، والتي يشعر معها انها تخدش كبرياءه وتشعر بالنقص فيتعامل معها بطريقة لا شعورية بالأسلوب العدائي. وبناء على ما سبق تتضح أهمية الفحص النفسي الدقيق لكل شخص يود أن يمارس مهمة التعليم العظيمة حتى يتم التأكد من خلوه من المشكلات النفسية والعصبية التي قد تعوق اداء مهمته الإنسانية. وبالتالي نحن بهذا الإجراء نقي أبناءنا من أن يكونوا ضحايا لشخصيات مضطربة لا علاقة لها بالتعليم. %80 من أطفال العالم يتعرضون للضرب الباحث الاجتماعي الدكتور عبدالناصر آل سوار اليامي تحدث عن توفير الحماية للأطفال من أشكال العنف المختلفة وتتطلب تضافر كافة الجهود الحكومية والأهلية بما يخدم قضايا الطفولة، مضيفا ان تقريرا للامم المتحدة كشف مؤخرا أن ما يتراوح بين 80 إلى 98% من الأطفال في العالم يعانون من العقوبة البدنية في منازلهم أو مدارسهم، وأن ثلث هذه النسبة تواجه عقوبات بدنية قاسية ناتجة عن استخدام أدوات مادية عنيفة للعقاب. كما أشار التقرير الى أن العنف اللفظي والجسدي يؤدي إلى تداعيات خطيرة بالنسبة لتنمية الأطفال في المدارس، قد تؤدي في أسوأ الحالات إلى الوفاة أو الإصابة بعاهات دائمة، كما أنه يؤثر عامة على صحة الأطفال وقدرتهم على النمو والتعلم، وقد يؤدي بالأطفال إلى الهروب من المدرسة وعدم استعدادهم للذهاب إليها والرغبة في التعلم والتفوق، ما يعرضهم إلى مزيد من المخاطر. كما أن العنف يدمر الثقة بالنفس لدى الأطفال ويقوض من قدرتهم على أن يصبحوا آباء جيدين في المستقبل، ويواجه الأطفال الذين يتعرضون للعنف خطرا كبيرا من التعرض للاكتئاب والانتحار في وقت لاحق من الحياة. وعن الوسائل التي يمكن الحد بها من ظواهر العنف يقول اليامي: تنظيم برامج تأهيل وتوعية وإرشاد تكون موجهة للأسر والمدارس في مجال حقوق الطفل والتربية مع القيام بحملات إعلامية في جميع وسائل الإعلام. إصدار نشرات وكتيبات حول وسائل التربية وحماية الطفل على ان تكون بصيغة بسيطة وسهلة تتناسب مع الجميع. معالجة المشاكل النفسية المترتبة على الإساءة أو العنف مما يساعد في تنمية المهارات الاجتماعية للآباء وتمكينهم من تعديل سلوكهم وطريقة تعاملهم مع أطفالهم. إعداد دورات تدريبية عن حقوق الطفل للعاملين بالمؤسسات التي يتعامل معها الطفل وتتضمن الدورات ورش عمل، وحلقات نقاش حول التعامل مع الأطفال وأساليب التأديب التي تخلو من العقاب البدني. معالجة المشكلات التي ترتبت على تعرض الأطفال لحالات العنف ومعالجتهم نفسيا وطبيا واجتماعيا والعمل على إعادة تأهيل أسرهم. وضع إجراءات فعالة وسرية لتلقي الشكاوى، وضمان التعامل معها بأسلوب علمي ومهني. توعية الأطفال بحقوقهم الإنسانية لضمان إلمامهم بها.