قد يختلف البعض معي في تسميتي لمجموعة دول العشرين (G20) ب«مجلس إدارة العالم الاقتصادي»، ولكن هذه الحقيقة التي لا بد ألا نغفل عنها؛ لما لأعضاء هذه المجموعة من تأثير عالمي كبير. فدول العشرين هي أكبر اقتصاد عشرين دولة على مستوى العالم، وهذه الدول تمثل ما مجموعه 90% من الأجمالي العالمي للإنتاج الخام و 80% من نسبة التجارة العالمية وتعداد سكاني يزيد عن ثلث سكان الكرة الأرضية، وبالتالي لا يمكن تجاهل هذا الدور الكبير والمحوري الذي يلعبه هذا التجمع العالمي من الناحية الاقتصادية. ولقد أنشئت هذه المجموعة بمبادرة من مجموعة الدول الصناعية السبع الكبري عام 1999م ، ليواجه العديد من المشاكل والعقبات الاقتصادية والمالية العالمية، منها تنمية الاقتصاد العالمي وتفعيل مبادرات التجارة الحرة وتوفير فرص العمل. وتعقد اجتماعات سنوية لهذه المجموعة الدولية على مستوى وزراء الخارجية وزعماء الدول الأعضاء، حيث نجحت قمم مجموعة العشرين السابقة في الخروج بتفاهمات فيما يخص سياسات النمو والتقليص من سوء استخدام النظام المالي والتعامل مع الأزمات المالية والتصدي لتمويل الأرهاب ومكافحة غسيل الأموال. ومن أشهر الأزمات التي واجهها هذا التجمع الدولي الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، التي بدأت في الولاياتالمتحدةالأمريكية ليبدأ تأثيرها على العديد من دول العالم لاحقا. حيث ساهمت دول مجموعة العشرين في إيجاد حلول اقتصادية عاجلة للخروج من هذه الأزمة وإنعاش الاقتصاد العالمي من جديد. ولكن لا يخفى على أي باحث، أن التنمية الاقتصادية لا يمكن أن تكون في الاتجاه الصحيح وبالشكل المناسب، دون وجود استقرار سياسي حقيقي في عالمنا هذا. وبالتالي لا يمكن اقتصار دور مجموعة العشرين فيما يخص الشؤون الاقتصادية العالمية فقط، بل لا بد أن تشمل السياسي منها أيضا ولهذا أجد أن تسمية مجموعة العشرين ب«مجلس إدارة العالم» هو الأنسب لما لها من دور عالمي رئيس في العديد من الملفات والأزمات. وبالنظر إلى ما يواجهه قادة قمة العشرين، فهناك العديد من التحديات والقضايا السياسية والاقتصادية التي تواجه الأمن والسلم الاقتصادي العالمي. فمن الناحية السياسية، هناك القضية العالمية الأساسية وهي القضية الفلسطينية وكذلك أزمة سوريا واليمن والتدخلات الفارسية في دول المنطقة العربية ومدى تأثير ذلك سلبا على العالم، وأخيرا القضية الأهم وهي الإرهاب والفكر المتطرف. أما من الناحية الأقتصادية، فلعل أهم الموضوعات حاليا التي تؤرق دول العالم واقتصادياتها، هو انخفاض أسعار النفط. فمن الناحية السياسية، لا بد من إيجاد حلول مرضية للقضية الفلسطينية على أساس مبادرة الدول العربية التي كانت ابتداء مبادرة سعودية تم تبنيها لاحقا من قبل جامعة الدول العربية. وعلى مستوى سوريا واليمن، فلابد من وقف التدخلات الخارجية وتحديدا الفارسية منها، بحيث تعود هاتان الدولتان إلى منظومة الدول العربية مع الأخذ في الاعتبار إعطاء شعبيها الفرصة في محاسبة من أجرم بحقهما. ومن الضروري أن تضغط دول العشرين لوضع حد للتدخلات الفارسية في شؤون الدول العربية، والتي أصبحت بذرة وذريعة للتطرف الفكري والأرهاب والتمييز المذهبي مما يتسبب في زعزعة استقرار وأمن المنطقة، ومدى تأثير هذه التدخلات الفارسية على ظهور الإرهاب بهذا الشكل القبيح الذي لا بد من بتره بتعاون دولي كبير حتى لا يؤثر على الاقتصاد العالمي. ولا يمكن إغفال الدور السعودي المحوري في هذه القمة، حيث إن دور المملكة حيوي في الاستقرار السياسي في المنطقة وعلى مستوى العالم لما للمملكة من تأثير على مستوى الدول العربية والإسلامية. فالمملكة هي من أكبر الدول العربية بصفتها مؤسسا لجامعة الدول العربية، وذلك بتوقيعها على بروتوكول الإسكندرية من قبل المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود عام 1948م، وهذا البروتوكول أدى لاحقا إلى توقيع ميثاق تأسيس جامعة الدول العربية. وكذلك أكبر الدول الإسلامية لوجود قبلة المسلمين على أراضيها؛ ولأنها عضو فعال ونشيط في منظمة التعاون الإسلامي كثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأممالمتحدة والموجودة أمانتها العامة في مدينة جدة. فعلى المستوى السياسي، يقع على عاتق مجموعه دول العشرين المسؤولية بضرورة المساهمه بأكثر فعاليه من أجل الضغط على بعض الأطراف الدولية لإيجاد مخرج عاجل وعادل بخصوص الأزمة السورية. فلا يمكن الاستمرار بهذا الوضع وتركها كأرض خصبة لأصحاب الأفكار الإرهابية المتطرفة لتنفيذ أجندتهم القبيحة والمخزية لزعزعة الأمن والسلم العالميين، وعلى أن يشمل ذلك الخروج بحل نهائي في اليمن وكذلك القضية الفلسطينية. أما على المستوى الاقتصادي ، فمعلوم أن المملكة من أكبر مصدري النفط وتحت أراضيها مخزون غاز كبير وأكبر مخزون نفطي على مستوى العالم بالإضافة إلى العديد من الثروات المعدنية الأخرى. فالمملكة لاعب رئيس وفعال في الإبقاء على استقرار أسعار النفط والذي يؤدي إلى الاستقرار الاقتصادي العالمي. ومن المعلوم أن عدم استقرار أسعار النفط بالشكل المناسب لمصالح المنتجين والمستهلكين على السواء، يكون له تأثير سلبي على اقتصادياتها، مما قد يؤدي إلى ركود اقتصادي عالمي جديد. وعلى دول العشرين المساهمة بإيجابية في استقرار أسعار النفط العالمية بالشكل المناسب والمطلوب والذي سوف ينعكس أيجابا على اقتصادياتهم ويزيد من الاستثمار. أن المهام والمسؤوليات الملقاة على عاتق زعماء دول قمة العشرين كثيرة وكبيرة ، فهم المسؤولون عن مصادر رزق عشرات الملايين من البشر على مستوى العالم، وعلى عاتقهم يقع مستقبل شعوب وأمم، ولا بد ألا يغفلوا عن دورهم التاريخي في الحفاظ على الأمن والسلم الاقتصادي العالمي وما يتبع ذلك من خطوات حاسمة ومهمة لتحقيق هذا الغرض. * محام وأكاديمي متخصص في قوانين مكافحة الإغراق والدعم الحكومي