عزيزة الطائي.. قاصة وروائية وباحثة عمانية، تكتب كي تبوح بمكنوناتها ، وفي كتاباتها يمتزج السرد والشعر والوجع، من إصداراتها، ظلال العزلة «قصص قصيرة جدا» ورواية «أرض الغياب» و «ثقافة الطفل بين الهوية والعولمةّ» ، وحول تجربتها القصصية والنقدية ،كان لنا معها هذا الحوار ما الذي أتى بك إلى الكتابة؟ وما الذي تحملينه إليها؟ من منا لايكتب؟!، الأطفال والمراهقون والبالغون والجميع يكتب ليس بالضرورة أن تكون كتابة أدبية لكن لأجل البوح والتنفيس والتّعبير عن مكنوناتنا، وقراءة ما حولنا من حيوات. نحن نلجأ للكتابة لأن هناك ما هو مخبأ لكن ألسنتُنا ترفض أن تنطق به، لأن الوجع غزا قلوبنا. و خجلنا أن نُقر بها أمام أنفسنا، نحن نلجأ للكتابة أحياناً .. كيلا نختنق. أحمل للكتابة كل العشق والهيام فلولاها لما تصالحت مع نفسي أولا، ومع محيطي ثانيا.. ولولا الكتابة لما قرأت وبحثت واجتهدت؛ ولا حتى استطعت تربية صغاري والالتفات إلى عالمي، وإحساسي بأنوثتي وحضورها. كتاباتك القصصية والسردية، هل هي أسرودات من فيض تعلوه الشعرية فينحسر السّرد؛ أم هي شعرنة للسرد وكفى؟ حين يكتب الكاتب ما يجول في ذاته، فإنّه لا غنى عنده عن الشعرية التي تطفو بقصد أو بدون قصد على كتابته، فالكتابة عقل وعاطفة لذلك غالبا ما يمتزج السّرد بالشعرية والعكس. - يرى الناقد محمد زروق أنّ سرّادك في «أرض الغياب» دخلاء وفضوليون يتدخلون فيما لا يعنيهم؛ ما تعليقك؟ - للمتلقي حكمه في ما يقرأ وأنت قرأت الرواية أستاذ عبدالله، لذا لا بد أن تجيب على هذا السؤال كونك المتلقي لهذا العمل، من جهة وناقد من جهة أخرى، وليس لي أن أرى ما تراه أو يراه القارئ الآخر. وجهة نظر مبنية على أسس موضوعية ونقدية، وعليّ أن أحترم أتقبل الرأي والرأي الآخر طالما هناك وجهة نظر للمتلقي تسبر أغوار العمل عن وعي. ماذا عن المشهد القصصي العماني بصيغة المؤنث؟ - إنّ تجربة الكتابة القصصية النّسوية في عُمان تعرف اليوم تنوعاً في أشكالها وأساليبها الخاصة، كما في موضوعاتها ودلالاتها العامة ومضامينها، بالإضافة إلى تنوع الأبعاد الدّلالية، إلّا أنّ الغالبية العظمى من كاتبات قصتنا لا يزلن يتهيبن من تسليط الأضواء والرؤى الفّكرية، والفنية على العلاقات والظواهر الماثلة في الواقع، وبالتّالي نتوقع المزيد من الجرأة والعمق في هذا الاتجاه. إنّ هذا الخطاب النّسوي القصصي جزء من خطاب ثقافي عام لا يزال في مجمله في مرحلة التّشكل الصّعب، من هنا فإنني أرى أنّ الأفق الوحيد لتطور الخطاب السردي بشكل عام يبدأ من الوعي بضرورة الاستمرار في مغامرات البحث المعمق والتّجريب الخلاق والاستكشاف الجريء، والبعيد عن أية وثوقية مفرطة. ونقول إنّ ذلك هو الأفق الوحيد لقصة المستقبل لسبب بسيط وجوهري، وهو أنّه لا يمكن تحقيق أي إنجاز، وتراكم وتحول بدون الوعي النّظري وبدون الممارسة العملية التي تختبره وتعمل على تجسيده في النّص الإبداعي- الثّقافي ذاته. القصة القصيرة جدا مظلة في قبر قال أحدهم نسي البال اسمه، وعزيزة الطائي ما الذي تقوله عن هذا النّص الصغير؟ لا أتفق مع هذه المقولة مطلقاً. وأرى من يتبنى ذلك ظلمه كجنس وظلم الكاتب نفسه. فأنا من مناصري هذا الجنس السّردي الجديد بعناصره وتقنياته وثيماته، وأرى بأنه جنس صعب المراس والكتابة فيه تحتاج إلى كاتب ثاقب حذق مثقف واعٍ لميح عالم بمحيطه مدرك لما حوله قادر على التعبير عن جوانب عدة وزوايا مختلفة في المجتمع. وعلينا أن نعي جيدا أنه ليس كل من كتب قصة قصيرة جداً أجاد الكتابة فيها كما يعتقد البعض، أو أنّها الطريق الممهد في الكتابة. ومع تقدم المجتمع وتسارعه بات هذا النوع من القص له حضوره وقرّاؤه. تكتبين القصة القصيرة، والرواية، والقصة القصيرة جدا؛ وباحثة حتى، فأين يجدك القارئ؟ - هذا سؤال يوجه للقارئ. فأنا أعتبر نفسي مجتهدة في كل ما ذكرت. ويقيني أن الكاتب يكتب بدافع بوتقة الفعل الكتاب النابع من خبرة معيشة أو خيال سارح أو حلم واعٍ أو غير ذلك. ينطلق ليعبر عمّا يراه بعين قلم راصدة حائرة ربما، راقصة أحيانا؛ لذا فهو يكتب بنفسه لنفسه وما أن يترك القلم ويرتاح الفكر حتى يسلم عمله للمتلقي قارئا كان أم ناقدا. ما الذي تقترفه الآن عزيزة الطائي، مجموعة قصصية، رواية، أم في راحة سردية؟ لا راحة عن الكتابة، فالكتابة هي الوجع، وممارستها هي الراحة والدواء. والحمد لله بعد أن تم ترتيب إخراج ومراجعة المجموعة الكاملة لوالدي – يرحمه الله - والتي ستكون متواجدة في معرض مسقط الدولي في شهر فبراير. أنهيت مجموعة قصصية لقصص قصيرة جدا والآن أنا بصدد تنضيدها لترى النور قريبا – بعون الله- وعنونتها ب «موج خارج البحر». إضافة إلى كتاب يحمل تجربتي التربوية والبحثية في مسار تدريسي للغة العربية والإشراف على تعليمها يحمل عنوان «مهارات التّواصل الوظيفي» به من التنظير والتطبيق. بم تتهم عزيزة الطائي؛ عزيزة الطائي، قصصيا فروائيا؟ - حساسيتها وصدقها وانفعالها وتشظيها... وأحيانا ارتباكها. هل من عادات كتابية وأنت تمارسين تمارينك السردية في عزلتك الذهبية؟ نعم، ربما هناك الكثير، ولكن أجلها التأمل والإغراق في وجوه اللوحات والصور ورسمها. وأعيش في عزلة حيّة تامة، وخيال واقعي حميمي مع الشخوص والمكان والأحداث. إضافة إلى القراءة فيما أكتب عنه من فكرة أو موضوع. هذا الأسلوب في الكتابة يدفعني للانزواء بمخيلتي وأفكاري في أجهزة صغيرة لا تتعدى كف اليد وتجعلني أبوح بكل ما يجول بخاطري، حتى أصبحت الكتابة المتنفس الوحيد لي، حين توقفت عن توظيف صوتي وتعابير وجهي بالتعبير عن مشاعري وسط عالم به الكثير من الضجيج الذي يمتلئ نفاقا ومحاباة. وبالكتابة تتفكك هواجسي شيئاً فشيئاً، وأشعر بالانعتاق وبالحرية. فبالكاتبة أعود إلى عالمي الفعلي الحقيقي بسكوني وهدوئي، بضجيجي وصخبي، بإقدامي وإحجامي، بضجري وحيويتي.. فالكتابة هي التي أجد فيها عوالمي وواقعي ومحيطي وذاتي، وتوصلت لقناعة تامة أنه لم يعد لأصواتنا قوة كأقلامنا، لنقنع أو لنبدع أو لنخلق عوالم جديدة فنحن نحتاج إلى الكتابة.