«إنها الفوعة وكفريا» المكان الذي يجذب اهتمام كل صحفي سعيا وراء حكاية معقدة لجبهة مبهمة ولمفاوضات جرت حول ذاك المكان بين الأعداء والمتخاصمين كما لم تجر من قبل. عبر قرى تفتناز ثم شلخ فمعرة مصرين ورام حمدان توجهنا الى تخوم بلدتي الفوعة وكفريا، مجموعة من المساكن تتراءى امامك، تتواصل من جهة مدينة بنش مع منازل من قرى مجاورة فيما تنفصل عبر سهول خضراء مع قرى معرة مصرين ورام حمدان. «زاهر» مسؤول ميداني من فصائل المعارضة السورية شارك في معارك وحصار الفوعة وكفريا منذ البداية وحتى هذه اللحظة يروي ل«عكاظ» الحكاية فيقول «عند بداية الثورة لم تكن قرى ادلب قد تحركت بشكل موسع سوى بعض التظاهرات الشعبية في بعض القرى وبشكل سلمي حتى بدأت عملية انشقاق الضباط والجنود من الجيش وتأسيس الجيش السوري الحر. في هذه الفترة كانت الامور عادية وليس هناك من ضغائن بين البلدتين والقرى المجاورة وفجأة عمد عدد من سكان الفوعة وكفريا الى تشكيل ميليشيات مسلحة واقامة الحواجز على الاوتوستراد الرئيسي والاعتداء على المدنيين المارة من هناك ان عبر الاهانة والضرب او عبر الخطف والسرقة والتطاول على الاعراض والكرامات». ويضيف «رويدا رويدا علمنا بوصول مسؤولين من الحرس الثوري الايراني ومن ميليشيا حزب الله اللبناني الى الفوعة وكفريا حيث بدأوا بتشكيل ميليشيا منظمة تحت اسم حزب الله وبدأوا بدفع الرواتب للشباب المنتسبين لهذه الميليشيا مما رفع نسبة التوتر وحالات القمع والاعتداء على سكان القرى المجاورة». ويتابع «هنا جاء قرار تحرير محافظة ادلب بالكامل وهذا ما حصل مما سمح للثوار بمحاصرة المدينة من كل جانب، حصارا مطبقا وقد قمنا بهذا الحصار لأن بلدتي الفوعة وكفريا تحولتا من بلدتين سوريتين الى محمية ايرانية بالكامل، فالشعارات المرفوعة في البلدتين هي شعارات ايرانية ومذهبية كما ان القيادة الميدانية في داخل البلدتين هي قيادة ايرانية عبر مسؤول تابع لحزب الله اللبناني، حتى ان المفاوضات التي حصلت في الفترة الاخيرة فيما عرف باتفاق الفوعة وكفريا والوبداني حصل مع الايرانيين مباشرة، ولم تكن للمجرم بشار اية علاقة بهذا الاتفاق. فالقريتان باتتا تابعتين لإيران ونظام الملالي هناك». كلام المسؤول الميداني (زاهر) تطابق مع زميله (نزار) ابن مدينة بنش حيث يقول «خلال المعارك لم نكن نسمع في المواقع الامامية أصواتا ولجهات سورية، ما كنا نسمعه من خلال اجهزة اللاسلكي اما لغة فارسية او لهجة لبنانية وهناك الكثير من الجثث التي رأيناها خلال دخولنا الاخير الى اطراف القرية تعود لمقاتلين لبنانيين من حزب الله». هنا يتدخل مجددا المسؤول الميداني (زاهر) فيقول لنا «كل المفاوضات بين الثوار والايرانيين كانت تدور وكأن الموجودين في القريتين هم جالية ايرانية في ادلب، لقد كانت استراتيجية الايرانيين في المفاوضات استراتيجية مذهبية بحتة». الإطلال على الفوعة وكفريا من مدينة بنش يكشف انه لم يسلم منزل ولا دكان ولا طريق من صواريخ حزب الله والحرس الثوري الايراني والميليشيات المذهبية العراقية. ويقول احد المقاتلين من ابناء بنش ويدعى (مصطفى) ل«عكاظ»: هذه الطريق الرئيسية كان محرما علينا عبورها قبل المعركة الاخيرة بسبب رصاص القنص وقذائف الهاون التي تطلق من الفوعة وكفريا والحمد لله بعد الانجاز الاخير باتت هذه الطريق آمنة وها هي الحياة تعود تدريجيا الى بنش وكل القرى المجاورة. المسؤول الميداني (زاهر) يتدخل مجددا فيقول «حصارنا للفوعة وكفريا هو الذي اوقف المجزرة بحق اخواننا واهلنا في الزبداني.. والايرانيون يدركون تماما اننا قادرون على الدخول الى الفوعة وكفريا عندما نريد وان اي خلل في الاتفاق سوف يجعل مصير القريتين مهددا. ايران لا تهتم بأي موقع للنظام كما تهتم بالفوعة وكفريا كل ذلك لأسباب مذهبية مقيتة لم نكن نحن السوريين نعرفها قبل مجيء المحتل الايراني». (جمال) شاب من بنش انتسب الى احد الفصائل المعارضة منذ ستة اشهر الا ان حكاية انتسابه ربما تختصر حكايا الكثير من شباب القرى المجاورة للفوعة وكفريا حيث يروي (جمال) فيقول «خرجت يوما من المنزل بحثا عن خبز للعائلة وذلك بعدما التزمت عدم الخروج لأكثر من شهر خوفا من الممارسات التي تقوم بها الميليشيات في الفوعة وكفريا وخلال مروري على الاوتوستراد ظهر بوجهي حاجز بشكل لم اكن اتوقعه، طلبوا بطاقة هويتي وعندما علموا انني من بنش بدأوا باطلاق الشتائم علي ثم اصطحبني احدهم الى غرفة داخل حقل يجاور الحاجز وهناك بدأت رحلة العذاب حيث تعاقب علي ثلاثة اشخاص بالضرب والتعذيب وكل ذلك مترافق مع شتائم، المؤسف ان من تعرض لي بالضرب كانت لهجتهم لبنانية وهم عناصر من حزب الله اضافة الى وجود مسؤول معهم ملامحه ايرانية، لقد كان يشرف ويراقب ما يقومون به بحقي من انتهاكات.. بقيت قيد الاعتقال ما يقارب العشرين يوما حتى تمكن الثوار من اطلاق سراحي عبر عملية تبادل قاموا بها، ومنذ ذلك الحين وجدت من واجبي ان اشارك في تحرير بلدي من هذه الميليشيات الطائفية ومن المحتل الايراني الذي جاء الى وطننا محتلا ومعتديا وغازيا». الرباط ورغم اتفاق الهدنة الذي عقد الا انه مستمر وفي جولة «عكاظ» داخل البساتين والحقول التي يرابط فيها الثوار تجد الحذر واليقظة عند جميع المقاتلين حيث يقول احد المقاتلين ويدعى (سعيد) مبررا هذه اليقظة رغم الاتفاق «الايرانيون وحزب الله لا يمكن ضمانهم لقد اعتدنا على غدرهم.. وكثيرة هي الاتفاقات التي عقدت لكنهم كانوا دائما يخرقونها ويغدرون بنا، هناك الكثير من الاخوة سقطوا شهداء بفعل هذا الغدر الايراني الطائفي». خرجنا من الفوعة وكفريا ومن محاور التماس فيهما متجهين الى عمق بنش حيث نجتاز مدينة ستبقى عبر التاريخ شاهدة على الجريمة الايرانية في الاراضي السورية، فالمنازل التي هدمت سهل اعادة اعمارها والطرقات التي خربت سهل اصلاحها الا ان جروح البشر ودماءهم من الصعب جدا مداواتها. قبور وشهود على تخوم الفوعة وكفريا والى جانب الاوتوستراد الدولي الذي قطع بصخور ضخمة كاشارة الى خط التماس الفاصل بين القريتين ومحيطهما، كانت هناك مقبرة فيها الكثير من الأضرحة لأهل القرى الذين ماتوا او استشهدوا الا ان اللافت في كل تلك الاضرحة قبور حملت علم الثورة السورية فكانت بذلك متميزة عن كل القبور. الفضول الصحفي جعلنا نتجه نحوها بخاصة ان نسوة اتشحن بالسواد كن يقفن قربها.. «السلام عليكم» بتلك الكلمة اطلقنا الحديث معهن حيث أظهرن ترددهن في رد التحية او في الظهور بالصورة لتي التقطناها خلسة مبررين ذلك بالرغبة الصحفية. (سعدى) احدى تلك النسوة كانت اجرأ في الكلام فقالت «نحن نأتي الى هنا منذ حصول اتفاق الهدنة لكي نزور زوجي وشقيقي ووالدي فالثلاثة قتلوا على ايدي الميليشيات الايرانية وحزب الله في مواجهات الفوعة وكفريا. لقد ذهب رجالنا كي يدافعوا عن اعراضنا واستشهدوا وهم يدافعون، نحن نأتي الى هنا لاننا مشتاقون لهم ولكي لا ننسى التضحيات التي قدموها، كنا نعيش بأمن وامان قبل ان يأتي الايرانيون الى هنا زارعين الطائفية والمذهبية، كان الشيعة والسنة عائلة واحدة وبسبب الايرانيين ها هم يتقاتلون، لدي صديقات في الفوعة وكفريا كنا نزور بعضنا والان لا اعلم عنهن شيئا». واضافت «اتمنى أن التقي بهن فلا حقد في قلوبنا عليهم وننحن ندرك انهم ضحية للايرانيين كما نحن ضحايا لهم، الايرانيون مصيرهم ان يرحلوا عن ارضنا ومصيرنا ان نستعيد السلام بيننا ويجب ان نتجاوز كل شيء لنعود للعيش بمحبة ووئام وتجمعنا الالفة التي لطالما كانت بيننا». كفريا والفوعة واللعنة الإيرانية كفريا والفوعة قريتان متجاورتان في محافظة ادلب، فكفريا تقبع في شمال المحافظة تجاورها قرى صغيرة حيث يعتمد اهلها على الزراعة في مجملهم فيما القسم الآخر يعمل في الوظائف الحكومية واغلب زراعاتها تعتمد على انتاج الحبوب والزيتون. اما الفوعة فمعظم سكانها قدموا اليها من حلب ابان انتهاء الحكم الحمداني وهي معروفة عبر التاريخ انها قرية العلماء والشعراء، وتشير التقديرات الى ان عدد سكان كفريا والفوعة يقارب ال50 ألف نسمة، 15 ألفا في كفريا و35 ألفا في الفوعة، ومعظمهم من الطائفة الشيعية وهو امر استغلته ايران فحولت القريتين مقرا وانطلاقا لقوات حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية الطائفية للانطلاق باعمالهم الحربية باتجاه قرى محافظة ادلب. آخر المعارك حول القريتين كانت في الصواغية حيث سيطر عليها جيش الفتح وهي التي كانت تشكل خط الدفاع الاخير عن بلدة كفريا، ما سمح للمعارضة بالدخول الى اطراف البلدة وهو ما دفع الايرانيين للتفاوض لوقف النار ولتجميد هجومهم وانصارهم على بلدة الزبداني، الا ان اللافت في هذه المفاوضات كان اصرار الايرانيين على ان تكون هذه المفاوضات ستارا لتطهير مذهبي بحيث يتم اخلاء سكان مدينة الزبداني مقابل اخلاء سكان كفريا والفوعة. ورغم التوصل الى هدنتين بين المعارضة وايران الا ان المعارضة رفضت المطلب الايراني في افراغ الزبداني من اهلها.