أتحدى الدواعش ما ظهر منهم وما بطن ومن استتر منهم وما انفضح، في ما يفعلونه من ذبح ونحر وقتل وحرق ويدعون باطلا بأن له أصلا في شرع الله، يتكئون على حديث منسوب لنبي الرحمة متذرعين به متمسكين به لسفك دماء الأبرياء وانتهاك الحرمات وترويع الآمنين، بأن قال عليه الصلاة والسلام (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري). وقد ضعف هذا الحديث الذي يخالف روح الإسلام ووسطيته والأحداث التاريخية في الفترة النبوية الكريمة، الإمام أحمد والنسائي ويحيى وقال أحمد إنه حديث منكر، كما أنه ضعيف الإسناد لدى البخاري وابن معين وأبوزرعة وقال ابن أبي حاتم في العلل هذا الحديث ليس بشيء ولا يقطع بنسبته إلى الذي أرسله الله رحمة للعالمين. كل هذا وغيره يدحض هذا الحديث الغريب عن روح الإسلام ومضامينه الذي يتشدق به إرهابيو الدواعش والنصرة الوجه الأقبح للقاعدة وغيرهم من الإرهابيين والقتلة ليبرروا سفك الدم وإزهاق النفس التي حرم الله إلا بالحق بطرق غريبة عن الإسلام مرة بالذبح وأخرى بالحرق وثالثة بالغرق. اتفق علماء الحديث على أن ليس كل حديث حتى لو كان صحيحا يجب العمل به فما بالك بالموضوع والضعيف والمكذوب والذي لا يتفق مع مقتضى العقل وصريحه. إن الكثير من النصوص تتجاذبها الأحكام الأصولية وقواعدها من الأخذ والرد بين الناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد والعام والمخصوص والمجمل والمبين والنص والظاهر والحقيقة والمجاز والمشتركات اللفظية والمعنوية ودلالات الاقتضاء وعموماتها ومفاهيم الموافقة ومفاهيم المخالفة وعبارات النص وإشارته وصيغ الأوامر والنواهي ودلالاتها على الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الكراهة أو التحريم. والصوارف من مرتبة لأخرى إلى غير ذلك من الأحكام الأصولية المتبعة لدى العلماء في استنباط الأحكام الشرعية من نصوصها، ثم بعد ذلك تعتريها أحكام ترتيب الأدلة بدءا بالأقوى ثم أحكام التعارض وقواعده وأسس الجمع والتوفيق إن أمكن بين المتعارضات ثم تليها أحكام التراجيح بالمرجحات لإعمال أحد الدليلين وآخرها إدخال هذه النصوص في أحكام الأولويات الأصولية وفق القواعد المتبعة لدى كل إمام من أئمة الفقه. فهذا الحديث ينافي ما جاء في القرآن الكريم القطعي الثبوت والدلالة في محكم آياته من وصف كريم لنبي الرحمة يقول الحق سبحانه وتعالى (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) ويقول الحق (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) ويخاطب الحق نبيه بقوله (فاصدع بما تؤمر واعرض عن المشركين) ولم يقل سبحانه وتعالى اذبح المشركين فما بالك بالمسلمين ممن وقعوا ضحية هذا التنظيم الفاشي، ويقول له الحق (خذ العفو وأمر بالمعروف واعرض عن الجاهلين) وقد عمت هذه الآية صور العفو كلها وليس في القران آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، ويقول عز وجل (ادفع بالتي هي أحسن نحن أعلم بما يصنعون). وسئلت عائشة عن خلقه الكريم فقالت لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وجيء له بامرأة يهودية أهدت له شاة مسمومة فأكل منها، فقيل له أنقتلها يا رسول الله قال لا! وقيل له يا رسول الله ادع على المشركين قال إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة، ويقول نبي الرحمة (ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلا سأله الله عنها). كما نهى أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل، فأين هؤلاء الإرهابيين الفجرة من رحمته صلى الله عليه وسلم، بل إن في القرآن أوامر وردت بصفة الخبر بعدم إكراه الناس على اعتناق الإسلام يقول الحق سبحانه (لا إكراه في الدين) وقوله عز وجل (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وفي سؤال في صيغة الاستنكار الإلهي يقول رب العزة والجلال لنبيه (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ويطلب منه ربه دعوة الناس إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسن ويتجلى عفوه ورحمته عند هجرته إلى يثرب لم يذبح أحدا من يهود أو نصارى ولم يحرق نفسا بل كان يقوم حتى لجنازة اليهودي إن مرت به تأكيدا لقوله تعالى (ولقد كرمنا بني آدم) فأقوال النبي وأفعاله إنما هي تأكيد للقرآن ولم تكن أبدا مناقضة له، فالسنة الحقيقية للرسول تطابق القرآن بكل ما فيه. يؤكد تاريخ السيرة النبوية في الفترة المكية مقدار الألم والمعاناة التي لاقاها نبي الله وأصحابه من تعذيب وتجويع وترهيب وعندما يعود إليهم منتصرا متمكنا يقول لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء وهذا أبلغ رد على الفواحش الكفرة ولكل من يقول بحديث السيف والعنف. وفي فتح مكة يبرأ إلى الله مما صنع خالد بن الوليد الذي دخل مكة شاهرا سيفه، ويعلنها نبي الرحمة صريحة بأن من يخرج على أمته يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه وهذه براءة من نبي الإسلام من هؤلاء وأفعالهم ومن يدعي بأنهم إخواننا بغوا علينا. هذه حقيقة الدواعش وأعوانهم في الداخل والخارج يكذبون ليبرروا أفعالهم القبيحة، تؤكد حركة التاريخ أن المتشددين والمتنطعين وحركات الإسلام السياسي التي تلبس إيمانها بظلم مصيرها مزابل التاريخ، ويبقى الوطن شامخا متماسكا رغم أنوف الدواعش وأعوانهم.