من السنن التي بها قام الكون وانتظم؛ سنة التوازن بين الأضداد «كالجاذبية والطرد المركزي» التي تحفظ الأفلاك بمداراتها، ومن يأكل الحلى يحس برغبة للمالح والعكس، وأيضا سنة؛ «إذا زاد الشيء عن حده انقلب لضده» فأقصى تطرف لأي حال ينقلب لضده، فأثر قرصة الثلج يشبه أثر حرق النار فهي تؤدي لتفحم وموت الخلايا، وأقصى الضحك يدمع عين الضاحك، وبالمقابل «شر البلية ما يضحك»، وفي أقصى درجات المجاعة تنتفخ بطون الأطفال الجوعى كأنها كروش مترفين، وعندما منعت طالبان النساء من العمل الشريف باسم الفضيلة كثرت الدعارة لأنه لا مصدر آخر للدخل لملايين الأرامل والأيتام، وبالمثل فالغلو والتعصب الديني يؤدي لأثر مضاد وهو النفور من الدين ومحاربته، ولهذا يقول المثل «الزيادة أخت النقصان» أي الإفراط في شيء ينتج ذات الأثر السلبي للتفريط به، ولهذا في القرآن والسنة تحذير شديد من الغلو والتطرف والتشدد ولم يقل إن الزيادة هي زيادة في الخير إنما حذر من هذه الزيادة لأنها لا تأتي بخير، وبسبب تفريط المسلمين بأهمية هذه القاعدة أضاعوا بوصلة الاعتدال ورشده وصاروا يتنافسون في الغلو والتشدد والتطرف كما ولو أنه أفضل من الاعتدال وصاروا يحقرون التوسط والاعتدال بزعم أنه تمييع للدين رغم أنه قائم على سنة النبي بالأخذ بأيسر الأحوال وترك شديدها الذي به يشقى الفرد والجماعة، ولهذا عندما يشتكي طرف من تطرف طرف مضاد له فعليه مراجعة نفسه وجانبه لأنه من السنن أن كل تطرف يستفز ويغذي تطرفا مضادا له كنوع من التوازن اللاواعي، ولهذا المجتمعات التي يسودها تطرف ديني يظهر فيها تطرف مضاد للدين، والمجتمعات التي يسودها الاعتدال الديني تكون حتى الأطراف اللا دينية معتدلة ولا مساعي لها إقصائية واستئصالية ضد الطرف الديني، فالأنماط الأساسية التي تتضمنها الثقافة السائدة تجعل التطرف سمة كل الأطراف سواء تلك التي «مع» أو تلك التي «ضد»، والأنماط الأساسية العقلية والنفسية والأخلاقية والسلوكية تكرسها الثقافة السائدة في المجتمع، والثقافة السائدة تكونها المناهج التعليمية والخطاب السائد في وسائل الإعلام الرسمية وخطاب المنسوبين للأجهزة الحكومية وهيئاتها والشخصيات ذات الأثر العام الجماعي ومدى حرية مصادر المعرفة والمعلومات بحيث لا تحصر العقلية الجماعية في رأي أحادي البعد تغيب عنه الآراء المختلفة والمخالفة والناقدة، والغلو والتطرف المفرط الذي نراه لدى الجماعات الإسلامية يستفز ويولد تطرفا مضادا للإسلام داخل وخارج المجتمعات الإسلامية، ومقابل كل شخص ينضم لجماعة متطرفة كداعش يتنفر ويرتد عن الإسلام أضعافه. [email protected]