لم يكن غريبا قيام مجلس الشورى مؤخرا بتوجيه العديد من الانتقادات الموضوعية لأداء وزارة العمل، خلال مناقشة المجلس لتقرير الوزارة عن العام الماضي، ملاحظات وانتقاد بعض أعضاء المجلس لوزارة العمل كان بسبب عدم إحراز الوزارة تقدما يذكر في العديد من الملفات المهمة؛ في مقدمتها زيادة توطين الوظائف، وخفض نسبة البطالة، وتوفير عدد كاف من فرص العمل للمواطنين؛ وإذا كان لي أن أضيف أمرا هنا، فهو أهمية أن تكون تلك الوظائف؛ ملائمة من حيث الأجور، ومتوازنة من حيث الأمان الوظيفي، ومحققة لميزة تنافسية للاقتصاد وللموظفين. أما الغريب بالفعل فهو بدء الوزارة مؤخرا في تطبيق نظام العمل الجديد، على الرغم من احتوائه على مادة ستزيد من تحديات الوزارة، وقد تؤدي لرفع نسبة البطالة؛ لأنها تجيز إنهاء خدمات الموظفين بدون سبب مشروع، يأتي ذلك في الوقت الذي يتجه فيه نمو الاقتصاد الوطني للاعتدال، وربما يتباطأ قليلا نتيجة لتراجع سعر البترول، وتدني مستوى الإنفاق الحكومي؛ وذلك وفقا لمداخلة عضو الشورى، الاقتصادي د.سعيد الشيخ، الذي طالب الوزارة بتضمين تقاريرها القادمة مؤشرات الأداء المستهدفة والمتحققة؛ للوقوف على منجزاتها. ولعل من الإنصاف أن أشير هنا إلى أمرين، أولهما هو وجود جهات عديدة تتحمل المسؤولية مع وزارة العمل في تفاقم مشكلة البطالة، وثانيهما هو نجاح الوزارة في تسجيل بعض الاختراقات المحدودة، كان منها التوسع في التطبيقات الإليكترونية لإنجاز الأعمال، إلا أن البطء في تنفيذ الكثير من طلبات المواطنين، حال دون استفادتهم الكاملة من تلك المبادرة. وسأحاول اليوم عمل (كشف حساب مختصر) لأداء وزارة العمل خلال السنوات الماضية؛ بادئا بإلقاء الضوء على الخطوط العريضة للاستراتيجية التي أطلقتها الوزارة عام 1430 تحت عنوان: (استراتيجية التوظيف السعودية)، واعتبرتها آنذاك إطارا مرجعيا لمعالجة قضايا القوى العاملة والتوظيف في المملكة؛ مستهدفا تقييم مدى نجاح الوزارة في تحقيق أهدافها (العامة)؛ التي تمثلت فيما يلي : 1- التوظيف (الكامل) لقوة العمل الوطنية، 2- تحقيق (زيادة مستديمة) على مساهمتها في إجمالي قوة العمل في البلاد، 3- الارتقاء بإنتاجية العامل الوطني؛ لتضاهي نظيره في الاقتصادات المتقدمة، وكما نرى فهي أهداف طموحة جدا، كان يكفينا أن تُحقق لنا الوزارة نصفها فقط، لكي نتجاوز الكثير من تحديات ومشاكل سوق العمل في المملكة!. أما الأهداف الاستراتيجية (المرحلية) لوزارة العمل فقد جاءت أكثر طموحا، وتركزت على التالي : أ)- «السيطرة على البطالة» في المدى القصير، ب): «تخفيض معدلها» في المدى المتوسط، ج): تحقيق «ميزة تنافسية» للاقتصاد الوطني (اعتمادا على الموارد البشرية)، في المدى الطويل. الأهداف الرائعة السابقة تجعلني أطرح عددا من التساؤلات منها، هل نجحت الوزارة في تحقيق تلك الأهداف؟، وكيف يمكننا تقييم استراتيجيتها بحيادية وموضوعية؟، وما مدى قدرتها على التصدي للزيادة المتسارعة للعمالة الوافدة؟ وهل وفقت الوزارة في خفض نسبة البطالة بين أوساط شبابنا بالشكل المطلوب؟ أو حتى زيادة إنتاجية العاملين منهم؟، وما الذي أسهمت به (فعليا) لتذليل المعوقات الكثيرة التي تكتنف نشاط المؤسسات الصغيرة؟، وهل اتخذت الإجراءات التي تجعل المفاضلة بين الموظف السعودي، ونظيره الوافد لصالح المواطن؟. وإذا كان لي أن أجيب على بعض تلك التساؤلات فإنني أقول إنه وبعد كل تلك السنوات، لا تزال هناك مسافة شاسعة بين تلك الاستراتيجية وأهدافها؛ القصيرة والمتوسطة والطويلة، وبين ما تم إنجازه منها على أرض الواقع، وهذا ليس رأيا شخصيا بل استنتاج تؤكده الوقائع على الأرض، وتعكسه النتائج المتواضعة التي حققتها وزارة العمل منذ تفعيل استراتيجيتها وحتى اليوم، إضافة لما تؤكده المؤشرات الرقمية التالية، التي استقيتها مما نشرته صحافتنا عن مناقشة مجلس الشورى لتقرير وزارة العمل، وهي تشمل: - ارتفاع عدد العاطلين عن العمل إلى 651 ألف مواطنة ومواطن خلال العام الماضي 2014، مقارنة بنحو 622 ألفا في العام الأسبق!، وشخصيا، فإنني أعتقد أن العدد الفعلي للعاطلين يفوق هذا الرقم المعلن؛ إذا أخذنا في عين الاعتبار أكثر من مليون مشترك مسجل في برنامج حافز، خصوصا لو استثنينا العاطلين الذين لا تنطبق عليهم شروط التسجيل في البرنامج. - زيادة عدد العاملين الوافدين إلى نحو 8٫5 ملايين وافد عام 2014، صعودا من حوالي 8٫2 ملايين عام 2013، بعد أن كان عددهم 7.3 ملايين عام 2012!. - انخفاض معدل توظيف السعوديين بنسبة كبيرة بلغت 38% خلال العام الماضي2014!، ليتراجع إلى 347 ألف موظف وذلك مقارنة بنحو 650 ألفا في العام السابق!. - بقاء نسبة البطالة مرتفعة منذ عام 2013 حيث ظلت عند معدل 11.7% من ذلك الحين حتى الآن! - نمو عدد تأشيرات العمالة الوافدة بشكل كبير وملفت خلال العام الماضي حيث ارتفعت بنسبة تزيد على 60%، ليبلغ عددها 1.57 مليون تأشيرة؛ (وهو رقم يفوق عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص!)، وذلك مقابل 950 ألف تأشيرة تم إصدارها في العام الذي سبقه!. - ارتفاع إجمالي تحويلات العمالة الوافدة إلى 153 مليار ريال خلال نفس الفترة. إن انتقادات مجلس الشورى لوزارة العمل هي بمثابة جرس إنذار، ومؤشر قوي الدلالة على حاجة الوزارة لمراجعة فورية شاملة لأدائها، وتشخيص مكامن الخلل في استراتيجيتها؛ وصولا لمعالجة التشوهات الجذرية في سوق العمل، مع ضرورة أن ترفع الوزارة من قدرتها على خلق فرص العمل للمواطنين ووضع حد لمزاحمة الوافدين لهم، وتحسين بيئة العمل (النظامية) التي يعملون فيها.